عنوان الفتوى : بيوع فيها مخرج من بيع ما لا يملك
أرجو إجابتي عن سؤالي؛ فهو مهم لي ولغيري من التجار, فأنا أخاف الله في مالي, ولا أريد أن يدخل عليّ مال حرام, وأريد حلًا لضمان حقي من استهتار الزبائن, فليست لدي وظيفة, وزوجي يمنعني من العمل خارج المنزل, فعملت بالتجارة من داخل المنزل سعيًا للرزق الحلال, فأنا أعمل بالتجارة عن طريق الإنترنت, وأبيع لأناس لا أعرفهم, وقد يكونون من خارج السعودية مستقبلًا إذا نمت تجارتي, وطريقتي في البيع أن أعرض صور السلعة وسعرها ومعلومات عنها, وأعرض بعضها دون معلومات, بل أكتفي بالصورة, والسعر - إذا كانت معلومة للأغلبية - وبعضها أشتريها للزبائن بالطلب - أي أني لا أملكها - ولكوني تاجرة نت فأنا لا أضمن صدق الزبائن معي وجديتهم, وخوفي كبير من شراء البضاعة لهم, ثم عند مطالبتي لهم بالدفع يتهربون أو يتراجعون, وهذا يسبب لي خسارة بعض السلع التي اشتريها ذوات القيمة الكبيرة التي قد تتعدى الآلاف - إذا كان مجموع الطلبات كثيرًا - والفتوى تنص على أن استلام المبلغ قبل تملك البضاعة لا يجوز, فكيف أضمن حقي من الزبائن المستهترة التي تنكث بوعدها في الشراء؟ وجميع التجار الذين يتاجرون عن طريق الإنترنت يكون أساسهم الدفع أولًا - سواء عند امتلاك البضاعة, أو عند عدم امتلاكها - فإذا عرضت الصورة والسعر بالمواقع؛ ليكون المشتري على بينة من شكلها وسعرها, فهل يجوز استلام المبلغ قبل تملك البضاعة, ويعتبر من بيع السلم الجائز؟ وإذا كان حكمكم هو عدم الجواز, واستمررت بأخذ المال قبل التملك, فهل تكون أرباحي محرمة؟ وهل أنا آثمة؟ وإذا أخذت عربونًا - وهو جزء من المبلغ يصل لنصف المبلغ المطلوب - قبل تملك البضاعة؛ لضمان جدية المشتري, وحفظًا لحقوقي وعدم خسارتي, فهل يجوز ذلك؟ فإذا كان ذلك لا يجوز دائمًا؛ فالتاجر سيكون في حالة نفسية غير مريحة؛ حتى يستلم مبلغه من الزبائن ويرتاح, وإذا اشترى بضاعة أخرى مطلوبة من الزبائن أيضًا سيرجع للحالة النفسية غير المريحة, إلى أن يستلم حقه من المبلغ, وهكذا, وإذا كانت التجارة بهذه الطريقة ستجلب الخسارة, والحالة النفسية, والتخوف من كساد البضاعة لديه وخسارة قيمتها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحوز أن يبيع الإنسان سلعة معينة لا يملكها حال العقد؛ لحديث حكيم بن حزام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك. رواه الترمذي والنسائي وأحمد.
وعليه؛ فالمخرج مما ذكرت هو: إما اتباع طريقة بيع السلم: بأن تتفقي مع طالب السلعة على بيعه سلعة صفتها كذا وكذا, يستلمها منك في أجل كذا وكذا, ويدفع إليك ثمنها مباشرة بمجلس العقد؛ لتبقى المطالبة بالسلعة في ذمتك, وهذه الصورة جائزة, وفيها مخرج مما ذكرت؛ لأنه ليس بيعًا لسلعة قائمة بعينها، وإنما هو على سلعة موصوفة في الذمة.
وهناك وسيلة أخرى وهي: الاتفاق مع المشتري على جلب السلعة التي يرغبها, ويحدد صفاتها, وتطلبي منه عربونًا ضمانًا لجديته في الشراء بعد تملكك للسلعة, فإن نكل عن وعده في الشراء ولحقك ضرر بسبب وعده جاز لك أن تأخذي من عربونه بقدر الضرر, وإن لم يلحقك ضرر لزمك رد كامل العربون إليه, جاء في قرار المجمع الفقهي المنعقد في سنة 1403هـ الموافق 1983م: ويرى المؤتمر أن أخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط أن لا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بقدر الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول, لكن شريطة أن يكون ما يحصل بينك وبين طالب السلعة مجرد وعد، ثم يتم البيع بعد تملكك السلعة؛ لما بيناه سابقًا من عدم صحة العقد على السلعة قبل تملكها.
والله أعلم.