عنوان الفتوى : حكم تأخير الإحرام من الميقات الأصلي إلى الميقات الفرعي

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

جاء جماعة من الأردن برا إلى السعودية لأداء العمرة وكانت النية أن يبيتوا ليلة في المدينة ثم يتابعوا طريقهم إلى مكة لأداء العمرة، لكنهم وعند وصولهم إلى المدينة لم يجدوا سكنا, فقرّروا متابعة طريقهم إلى جدة لينزلوا عند ابنهم المقيم في جدة للراحة لمدة 3 أو 4 أيام حيث كانت إحدى النسوة عليها الدورة الشهرية, ثم ذهبوا من جدة لأداء العمرة، فما هو الواجب في مكان الإحرام في هذه الحالة؟ وهل يعتبرون مقيمين إذا جلسوا لمدة 4 أيام ويحرمون من منزل ابنهم في جدة؟ أم الواجب أن يخرجوا إلى الميقات؟ وأي ميقات؟ وهل يجب عليهم شيء إذا فعلوا شيئا من غير علم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فكان الواجب على هؤلاء الناس أن يحرموا من أول ميقات يمرون به، وهو ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، وليس لهم تأخير الإحرام إلى ميقات آخر فضلا عن الإحرام من جدة ما داموا قد مروا بالميقات وهم يريدون العمرة، وهذا هو مذهب الجمهور، وذهب المالكية إلى أنه يسعهم أن يحرموا من ميقات أهل الشام، وهو الجحفة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: واختلف العلماء فيما إذا مر الشامي بميقات أهل المدينة، هل له أن يؤخر الإحرام إلى الجحفة التي هي الأصل في ميقات أهل الشام؟ فالجمهور أنه ليس له أن يؤخر، وأنه يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة، وذهب الإمام مالك إلى أن له أن يحرم من الجحفة، وعلل ذلك: أن هذا الرجل مرّ بميقاتين يجب عليه الإحرام من أحدهما، وأحدهما فرع، والثاني أصلٌ، فالأصل الجحفة، وميقات أهل المدينة فرع، وهو للتسهيل والتيسير على الإنسان، فله أن يدع الإحرام من الفرع إلى الأصل، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ والأحوط الأخذ برأي الجمهور، لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ـ فوقت هذا لمن أتى عليه، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصلي في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك بأنه أحوط وأبرأ للذمة. انتهى.

 فإن كانوا لم يمروا عند ذهابهم إلى جدة بذي الحليفة لم يلزمهم الإحرام منها، وإنما ميقاتهم هو أول ميقات يمرون به، قال ابن قدامة: فَإِنْ مَرَّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَمِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ، سَوَاءٌ كَانَ شَامِيًّا أَوْ مَدَنِيًّا، لِمَا رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْته ـ أَحْسَبُهُ رَفَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ مِنْ الْجُحْفَةِ ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ مَرَّ عَلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ كَسَائِرِ الْمَوَاقِيتِ. انتهى.

وعليه؛ فإن كان هؤلاء القوم قد أحرموا من جدة فقد تركوا الواجب بالاتفاق لأن جدة ليس ميقاتا لأحد من أهل الآفاق، فعلى كل واحد منهم دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم لتركهم واجبا من واجبات النسك وهو الإحرام من الميقات، وسواء كانوا عالمين بالحكم أو جاهلين به، فإن الواجبات يجبر تركها بدم في حق كل أحد، وإن كان الجاهل معذورا فلا إثم عليه، ولكن يلزمه الدم، وليست إقامتهم بجدة أياما مما يسوغ لهم الإحرام منها ما داموا قد مروا بالميقات مريدين الإحرام بالنسك، وإن كانوا ذهبوا إلى رابغ فأحرموا من ميقات أهل الشام فلا شيء عليهم في قول المالكية، وعليهم الدم عند الجمهور، على ما بينا.

وننبه إلى أن الحيض لا يمنع الإحرام، فللحائض أن تحرم بالنسك غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.

والله أعلم.