عنوان الفتوى : معنى حديث : إن الله يحب أن تؤتى رخصه ... الحديث
هل من الممكن أن تشرح لي الحديث التالي بفهم سلف هذه الأمة ، الحديث هو : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد ، حديث رقم (5832) ؟
الحمد لله
أولا :
( الرُّخَص ) جمع ( رُخصة ) ، وهي في اللغة : التسهيل والتيسير ، يُقال : " رخَّص
الشرعُ لنا في كذا ": إذا يسَّره وسهَّله ، ينظر: " المصباح المنير" للفيومي
(1/223).
وهي في اصطلاح علماء أصول الفقه : "ما ثبتَ على خلاف دليل شرعي لمعارِض راجح "
انتهى من " شرح الكوكب المنير " لابن النجار (1/478).
ويُقابلها: العزيمة .
مثال ذلك: إفطار المسافِر في نهار رمضان ؛ فالصوم فرض ، وثبتَت فيه الرُّخصة
للمسافِر بدليل خاص ؛ وهو قوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/ 185 .
ومثاله أيضا : التيمُّم رخصة في الطهارة ، لمَن لم يجد الماء ؛ فالأصل في الطهارة
المياه ، لكن رُخِّص في التيمُّم بدليل شرعي لمَن لم يجد الماء ؛ لقوله تعالى: (
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا ) المائدة/ 43 .
وأكل المَيتة للمضطر رخصة ، والأصل في أكل الميتة التحريم ، لكن أُبيحَت للضرورة ؛
لقول الله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ
وَلا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/ 173.
فالشَّرع سهَّل على المسافِر في أمر الصِّيام بالفِطْر ، وسهَّل على فاقِد الماء
أمرَ الطهارة بالتيمُّم ، وسهَّل على المضطر أكل الميتة ؛ لأجل العُذْر الحاصل لهم
.
ثانيا :
وفي ضوء ما سبق ، نفهم من هذا الحديث: أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحِبُّ للمسلِم أن
يأخذَ بالرُّخَص الشرعيَّة التي رخَّصها لعباده ، رحمةً بهم ؛ كما قال تعالى: (
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/ 185.
فلا ينبغي للعبد أن يأنف عن قَبولِ ما أباحَه الشرعُ ووَسَّع فيه ، ويستنكف عن أن
يترخص في خاصة نفسه ، حين الحاجة إلى مثل هذه الرخص ، بحدودها الشرعية ؛ فهذا ممَّا
يكرَهه الله عزَّ وجلَّ ؛ كما يكرَه أن يتعدَّى الإنسانُ حدودَ الله فيأتي المعصية
؛ وفي هذا تأكيدٌ لمشروعية الرخص ، وحث على قَبولها والتيسير بها ، وعدم التعنت
والإشقاق بتركها .
قال الشوكاني - رحمه الله -: "وفيه [أي: في الحديث] أنَّ الله يحب إتيان ما شرعَه
من الرُّخَص ، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية : دليلٌ على أنَّ في
تَرْكِ إتيانِ الرُّخصة ، ترك طاعة ، كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية " انتهى
من "نيل الأوطار" (3/244).
والأخذ بالرُّخَص الشرعيَّة " فيه دفع التكبُّر والترفُّع من استباحة ما أباحته الشريعة ، ومَن أنِفَ ما أباحه الشرعُ ، وترفَّعَ عنه : فسدَ دينُه ؛ فأُمِرَ بفِعْلِ الرُّخصة ؛ ليدفع عن نفسه تكبُّرها ، ويقتل بذلك كِبرها ، ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قَبول ما جاء به الشرع" انتهى من " فيض القدير " للمناوي (2/296).
وقد ثبتَ في الحديث ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : " قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (النساء: 101) ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ( صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ ؛ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ) رواه مسلم (686).
وليس المقصود بأخذ الرُّخَص : تتبع رُخَص المذاهب الفقهيَّة وأقوال العلماء ، واختيار الأسهل منها ؛ بل المراد الرُّخَص الشرعيَّة التي جاء الدليلُ الشرعيّ بالترخيص فيها.
ثالثا :
عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات
, وما أثبته له نبيُّه صلى الله عليه وسلم ، من غير تشبيه ولا تمثيل ، ولا تكييف
ولا تعطيل .
فنعتقد أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحِبُّ ويكرَه ، ويرضى ويغضب ، كما جاء في النُّصوص
الشرعيَّة ؛ كقوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )البقرة/195 ،
وقوله : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) المائدة/
54 ، وقوله : ( وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهُمْ ) التوبة/ 46 .
وقوله عزَّ وجلَّ : ( رَضيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) البيِّنة/ 8 ، وقوله
: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله
عَلَيْهِمْ ) الممتحنة/ 13.
فيجب إثبات ذلك لله تعالى على الوَجه الذي يليق بجلال الله تعالى وعظمته وكماله ،
من غير تشبيه ولا تمثيل ، ولا تكييف ولا تعطيل .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |