عنوان الفتوى : هل يطيع أمه في ترك مخطوبته بعد ما ظهر منها من جرأة وتصرفات لا ترضاها والدته ؟
هل عدم موافقة الأم على الإنسانة التي اختارها الابن كشريكة لحياته ، تعني أن الله لن يبارك هذا الزواج ؟ خاصةً وأنه أثناء يوم الخطوبة حدثت مشاكل وحساسيات لها علاقة بتصرفات عائلتها وشخصية البنت المخطوبة : طريقة الجلوس؛ الجرأة في المناقشة ؛ التحدث بالسوء عن أفراد من أسرتها؛ رغبتها في جلوسها مع الخاطب بحضور الأهل لأخذ صور للذكرى ، لكن الابن رفض ذلك بحكم الشرع والعُرف ، وبعد انتهاء الخطوبة ، وخروج الخاطب وعائلته : قام زوج أخت المخطوبة بالاتصال بالخاطب ، يطلب منه أن يعود لكي يوصله بالسيارة لمنزله ، لكن عند وصول الخاطب اقترح عليه زوج الأخت ، وأقنعه أن يدخل لأخذ بعض الصور للذكرى مع المخطوبة ، الشيء الذي لم تتقبله أم الخاطب ، واعتبرته إهانة لها. الآن البنت تريد الاعتذار من أم الخاطب عن التصرفات التي صدرت منها يوم الخطوبة ، لكن الأم لا تريد حتى سماع صوتها ، والابن يحاول إقناع أمه بإعطاء البنت فرصة لإثبات حُسن نيتها واستعدادها للتغيير. فهل موقف الأم هذا يعتبر صحيحا أم مُبالغا فيه ؟ بحكم أن البنت اعترفت بخطئها ، وتريد الاعتذار .
الحمد لله وحده
بداية ، نشكر لك ثقتك بالموقع وثناءك عليه ، نسأل الله أن ينفع به .
لا شك أن للأم حقوقا قد فصلها الشرع الحكيم ، بل جعل برها والإحسان إليها سابقا على
الجهاد ، الذي هو ذروة سنان الدين .
وينظر جواب السؤال رقم : (5512)
.
ولا شك أن خبرة الأمهات ، ونظرتهن الثاقبة ، في أمور حياتية مثل الزواج ينبغي ألا
يستهان بها ، فتجربتهن وقربهن من محيط النساء ، يجعل رؤيتهن المتفحصة – إذا صاحبها
تقوى الله والبعد عن الغيرة والهوى - أعمق ، وأقرب إلى الصواب ، من رؤية الأبناء ،
أو الرجال بصفة عامة .
ولا ريب أن الجلسة الأولى إلى المخطوبة وأهلها : تترك انطباعا خاصا عند الأمهات
العاقلات الرصينات : فإما ارتياح وقبول ، وإما نفور لا يغيره اعتذار ، ولا وعد
بالإصلاح .
إن عين الأم، أو الخبير بأحوال النساء في مثل ذلك : سوف تبحث عن عقل البنت ، وما
يظهر من أخلاقها وتصرفاتها ؛ وسوف تختبر طبعها : من حيث الخفة والنزق والطيش ؛ أو
عكس ذلك من : الحياء ، والرصانة ، والرزانة .
أضف إلى ذلك أن كلا الطرفين يتعمد الظهور في مثل هذه المواقف ، بشكل لائق ، يعرض
فيه على الطرف الآخر : أجمل ما فيه ، وأنفس ما عنده ؛ فكيف يكون الحال ، وقد تفاجأت
الوالدة بمثل ما ذكرت من التصرفات : جرأة أكثر من المحتمل في مثل ذلك الموقف ، ضعف
في عامل الحياء الذي يمسكها ، ويحفظ تصرفاتها .
قديما في بعض المجتمعات ، كانت هناك أسئلة معينة تطرح على المخطوبة ، وكان هناك حرص
على مراقبتها أثناء أكلها وجلستها وكيفية حديثها ؛ كان ذلك كله عاملا مشجعا ، أو
منفرا منها ، ولو كان انطباعا أوليا ، فمثل هذا الانطباع يصعب التغلب عليه بعد ذلك
.
ربما تعذر البنت فيما ذكرت من سلوكها وتصرفاتها ، لأنها معتادة على ذلك في عائلتها
، ربما تكون العائلة فيها انفتاح زائد ، لكن ذلك – من خلال عرضكم للمشكلة – يوضح أن
هناك تباينا في نمط السلوك بين العائلتين ، فما لم تمانع منه عائلة الفتاة ، وباركه
زوج أختها ، بل ودعاك إليه بالتحايل : تراه أنت وأمك مخالفا لما يجب أن يكون شرعا ،
وعرفا ، بل وأغضب أمك ، وجعلها تأخذ موقفا من المخطوبة .
وحينئذ ، إذا قدرنا أن الفتاة معذورة في شخصها ، فسوف يبقى هذا التباين في الطباع
والعادات بين العائلتين ، مما يصعب تجاوزه في مستقبل العيش بينكما .
إننا نرى ، بقليل من التأمل ، إن الإقدام على مثل هذه الخطبة : سوف يجر عليك خيطا
من المشكلات ، ويفتح بابا من التنازع بين الطرفين القريبين منك ، كل القرب ، وسيبقى
انطباع الأم الأول عاملا للصد المتبادل بينهما.
إن الأم ليست معصومة من الخطأ ، لكنها سوف تبقى أمك ، ولن تستطيع التضحية بها ، أو
برضاها ، أو بشيء من مشاعرها ؛ فما الذي يجبرك على الدخول في ثنائية مبكرة ، كهذه
؟!
وما الذي يحملك على أن تستكره أمك على قبول وضع لا ترضاه ؟!
لو كانت هذه الفتاة زوجة ، ولك منها الولد : كنا سنعاني صعوبة في رسم طريق التوفيق
بين حقين ، وواجبين ؛ فكيف والأمر : مجرد خطبة ، في أول أمرها ؟!
فهبها صالحة ، سالمة من كل عيب ؛ أفلا يستحق رضا أمك أن تتركها لترضى ، ولم يضيق
الله عليك ؛ والنساء سواها كثير ؟!
وفي الأخير لا يسعنا إلا الدعاء لك أن يختار الله لك ما فيه خيرك .
والله أعلم .