عنوان الفتوى : مكائد شيطانية للتثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
رجائي أن تشخصوا لي حالتي أهي رياء أم وسواس رياء؟ سأحاول أن أصف لكم ما أشعر به وأرجو أن يوفقكم الله لتشخيص حالتي بصورة صحيحة كي أتيقن أين أنا: مشكلتي أنني أحس أنني أرائي وأن عملي يحبط بالخواطر التي تأتيني، أنا أحرص على عدم إظهار عملي الصالح للناس ورغم ذلك تـأتيني خواطر كثيرة أشعر أنها لا تنفك عني مع مجاهدتي لها وأشعر أن هذه الخواطر مني ـ أي أنني محاسبة عليها ـ ويكون هوى نفسي معها، ولكن لا أرضى أبدا عن ذلك في عقلي، فإني أحب أن يكون عملي لله فقط، ووالله تعبت كثيرا وأنهكت أخاف أن أحفز صاحباتي على العمل الصالح خشية أن يحسن الظن بي وهذا حالي!!! وهذا أتعبني كثيرا وحيرني: هل أظهر نفسي قوية حين أحفز صاحباتي على علو الهمة والعمل الصالح؟ أم أقول لهن حين أدعوهن أنني غير راضية عن نفسي وتأتيني خواطر الرياء والعجب وغيرها فلا تحسنوا الظن بي؟ فمشكلتي حين أظهر لهن أنني قوية أحس أنني أقول ما لا أفعل وأخاف على نفسي لأنهن سيحسن الظن بي ويمدحنني مما قد يسبب لي فتنة لا آمن على نفسي منها، وحين أقول لهن إنني غير راضية عن نفسي وما إلى ذلك فسوف لن أحفزهن ولن أكون قدوة لهن أحب أن أكون من أئمة وقدوات المتقين ولكنني أخاف على نفسي الفتنة وخاصة أنه تأتيني هذه الخواطر التي لا تنتهي والتي لا أعلم إن كنت محاسبة عليها أم لا، فإنني أحس أنها عندما تأتيني أساكنها، وتميل نفسي إليها ثم أقطعها خوفا من الله، تعبت كثيرا ولا أعرف كيف أتصرف؟ أحب أن لا أظهر شيئا من أعمالي ولكن الدعوة تمنعني وتضطرني إلى ذلك وأنا لا أفرق بين الأعمال الصالحة التي أقولها لهم لأحفزهم والتي لا أقولها، بل أجعلها بيني وبين الله، علما أنني قد أصبت بوسواس العقيدة فيما سبق وقبله وساوس أخرى قهرية، فهل هذا له علاقة بما يحصل لي الآن؟ وفي النهاية أود أن أقول لكم إنني سأعيش وسأبني حياتي على ما ستشخصونه لي هل هو رياء أم وسواس رياء؟ وأن تشخيصكم لحالتي على أنها رياء أعالجه أهون علي من أن تشخصوها بوسواس رياء ثم لا يكون عند الله كذلك فأبني حياتي على وهم وأكون من الذين قال الله فيهم: الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحفظك من كيد الشيطان وخطواته، فما ذكرت في السؤال يدل على أن لديك وسوسة في الخوف من الرياء فعالجيها بالإعراض الكلي عن الاسترسال مع الشيطان في هذا الأمر، واصرفي ذهنك عن الموضوع، واشتغلي بتعلم العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى، ولا شك أن الشرع ينعي على من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ويأتيه... كما يدل له قول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ {البقرة:44}.
وقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود:88}.
وهذا ـ كما هو ظاهر ـ حض للمسلم على العمل بما يدعو إليه، وليس أمرا بترك الدعوة إلى الخير، فامضي في الدلالة على الخير ولا تتوقفي عن دعوة بنات جنسك ونصحهن وتذكيرهن بالله فترك ذلك من كيد الشيطان، فالمقرر عند أهل العلم أنه يجب على المرء أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يأتيه, وينهى عن المنكر وإن كان يأتيه، لأن فعل المعروف والأمر به واجبان فترك أحدهما لا يسقط الآخر, قال سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟.
وقيل للحسن: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وكتب عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى بعض نوابه على بعض الأمصار كتاباً يعظه فيه وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذاً لتواكل الخير، وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذاً لاستحلت المحارم، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض.
وقال ابن كثير: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب، عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود: 88} فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. هـ.
والله أعلم.