عنوان الفتوى : معنى قول أَنَس بْن مَالِكٍ : ( أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ) ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال أنس رضي الله عنه : إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله قبل وفاته ، حتى توفي وأكثر ما كان يوحي يوم توفي الرسول صلى الله عليه وسلم . هل يمكن أن تشرحوا لي هذا الحديث ، لأنه يضع العديد من التساؤلات ، أي : ما هو الوحي الذي أنزل على سيدنا محمد يوم وفاته ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
روى البخاري (4982) ومسلم (3016) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ، حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله : ( إِنَّ اللَّه تَابَعَ عَلَى رَسُوله الْوَحْي قَبْل وَفَاته ) أَيْ أَكْثَرَ إِنْزَاله قُرْب وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالسِّرّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوُفُود بَعْد فَتْح مَكَّة كَثُرُوا وَكَثُرَ سُؤَالهمْ عَنْ الْأَحْكَام فَكَثُرَ النُّزُول بِسَبَبِ ذَلِكَ .
قَوْله : ( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَر مَا كَانَ الْوَحْي ) أَيْ الزَّمَان الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ وَفَاته ، كَانَ نُزُول الْوَحْي فِيهِ أَكْثَر مِنْ غَيْره مِنْ الْأَزْمِنَة .
قَوْله : ( ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ) فِيهِ إِظْهَار مَا تَضَمَّنَتْهُ الْغَايَة فِي قَوْله " حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه " وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ أَخِيرًا عَلَى خِلَاف مَا وَقَعَ أَوَّلًا , فَإِنَّ الْوَحْي فِي أَوَّل الْبَعْثَة فَتَرَ فَتْرَة ثُمَّ كَثُرَ , وَفِي أَثْنَاء النُّزُول بِمَكَّة لَمْ يَنْزِل مِنْ السُّوَر الطِّوَال إِلَّا الْقَلِيل , أمَّا بَعْد الْهِجْرَة فنَزَلَتْ السُّوَر الطِّوَال الْمُشْتَمِلَة عَلَى غَالِب الْأَحْكَام , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ الزَّمَن الْأَخِير مِنْ الْحَيَاة النَّبَوِيَّة ، أَكْثَر الْأَزْمِنَة نُزُولًا بِالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّم " انتهى من " فتح الباري " .

وقال ابن علان رحمه الله :
" ( إِنَّ اللَّه تَابَعَ عَلَى رَسُوله الْوَحْي قَبْل وَفَاته ) ؛ وذلك لتكمل الشريعة ، ولا يبقى مما يوحي إليه به شيء .
( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَر مَا كَانَ الْوَحْي ) أي : وقت أكثريته ، ولما تكامل ما أريد إنزاله للعالم ، مما به انتظام معاشهم ومعادهم ، قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فتوفي بعده بأشهر " انتهى مختصرا من " دليل الفالحين" (2/346)

ولذلك قال أبو ذر رضي الله عنه : " تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما " ، قال : فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم ) رواه الطبراني في الكبير (1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .

وليس المراد بالوحي هنا : خصوص القرآن ، بل المراد به كل ما أوحى الله به إلى نبيه من أمر الدين ، ولو كان قد أخبرنا بذلك في سنته ، ولم ينزل بخصوصه قرآن .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (150936) .

وليس المراد ـ أيضا ـ بقول أنس رضي الله عنه : ( حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الوَحْيُ ..) : الخبر عن يوم وفاته صلى الله عليه وسلم خاصة ، كما فهم السائل ، بل المراد بذلك الزمان الذي توفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو آخر عمره الشريف ، وقد يكون ذلك سنة ، أو أكثر شيئا ما ، أو أقل ، فكل ذلك يصح أنه آخر عمره ، وزمان وفاته ، ولهذا قال : ( ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ ) .
وقد كان عام تسع من الهجرة يسمى بعام الوفود ، فوفد كثير من قبائل العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كوفد ثقيف ووفد بني تميم ووفد نجران ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، قال ابن كثير رحمه الله :
" وَفِي سنة تسع كَانَ قَدُومُ عَامَّةِ وُفُودِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى سَنَةُ تِسْعٍ سَنَةَ الْوُفُودِ " انتهى من "البداية والنهاية" (7/231) ، وينظر : "حدائق الأنوار " للحضرمي (ص/365) .

والله أعلم .