عنوان الفتوى : هل يصح إطلاق القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جمال الكون ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما المقصود تحديداً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جمال الكون ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
حب النبي صلى الله عليه وسلم وذِكره بالأوصاف الحسنة خَلقا وخُلقا من الإيمان ، ولكن الغلو في الإطراء فيه مما نهى عنه صلى الله عليه وسلم ، فأخرج البخاري (3445) عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لاَ تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ ، وَرَسُولُهُ ) .
والإطراء : الإفراط في المدح ومجاوزة الحد فيه .
وروى الإمام أحمد (12551) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1097) .
والحديث في هذا الباب كثيرة .
ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صورة ، وأبهاهم منظرا .
فروى البخاري (3549) ، ومسلم (2337) عن البَرَاءَ ، قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُم خَلْقًا ) .
وروى الترمذي (2811) وحسنه ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ - مضيئة - فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى القَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ ) .
وروى البخاري (3556) ، ومسلم (2769) عن كَعْب بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ ) .
وينظر إجابة السؤال رقم : (10452) .

وقد أوتي صلى الله عليه وسلم من كمال الصفات الحسنة والأخلاق السامية ، مع ما كان عليه من تمام التقوى وعبادة الله وخشيته ما لا مزيد عليه ، ولا ما يقاربه فيه أحد
فروى البخاري (6203) ، ومسلم (659) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ) .
وروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
" فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَى الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِيَّةِ ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية ، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَى الْعَقْلِ ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ " انتهى .

ثالثا :
مع ما سبق تقريره : فإن إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جمال الكون : إطلاق غير معهود في نصوص الشرع ، ولا في كلام أهل العلم ، ثم إنه إطلاق فيه نظر ؛ فإن الجمال في الكون نسبي ، فللإنسان جمال يخصه ، وللحيوان جمال يخصه ، وللطيور جمال يخصها ، وللنبات جمال يخصه ، وللبنيان جمال يخصه ، وللأفلاك جمال يخصها ، وهكذا .
وقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم من جمال البشر ما يليق بمثله صلى الله عليه وسلم : فكان أكملهم في خَلْق ، وفي خُلُق ؛ وما سوى ذلك زيادات من استهواء الشياطين للبشر ، واستجرائهم لهم ، ولا حاجة إليها ، ثم لا تعلق لها بشيء من علم نافع ، ولا عمل صالح .

وينظر : إجابة السؤال رقم : (4509) .
والله أعلم .