عنوان الفتوى : علاج الكلاب من الإحسان الذي جاءت به الشريعة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا طبيب بيطري ، وأرغب في فتح عيادة صغيرة للحيوانات ، وأريد أن أعرف حكم ما لو تعاملت مع كلب ، وحين أحاسب مالك الكلب على تكلفة الدواء والخدمة . فهل هذا المال حلال أم حرام؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.


الإحسان إلى الحيوان من محاسن الأخلاق التي جاء الإسلام بها ، وتواترت في شأنها الأحاديث النبوية الشريفة ، من ذلك ما صح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا ، فَنَزَلَ فِيهَا ، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلاَ خُفَّهُ مَاءً ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ : ( فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ) رواه البخاري (2466) ومسلم (2244) .
يقول ابن بطال رحمه الله :
" في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة لجميع البهائم والرفق بها ، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ، ويكفر به الخطايا ، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة ، ويستعملها في أبناء جنسه ، وفي كل حيوان ، فلم يخلقه الله عبثًا ، وكل أحد مسئول عما استرعيه وملكه من إنسان أو بهيمة لا تقدر على النطق وتبيين ما بها من الضر ، وكذلك ينبغي أن يرحم كل بهيمة وإن كانت في غير ملكه ، ألا ترى أن الذي سقى الكلب الذى وجده بالفلاة لم يكن له ملكًا ، فغفر الله له بتكلفه النزول في البئر ، وإخراجه الماء في خفه ، وسقيه إياه ، وكذلك كل ما في معنى السقي من الإطعام ، ألا ترى قوله عليه السلام : ( ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة ) مما يدخل في معنى سقي البهائم وإطعامها التخفيف عنها في أحمالها ، وتكليفها ما تطيق حمله ، فذلك من رحمتها والإحسان إليها ، ومن ذلك ترك التعدي في ضربها وأذاها وتسخيرها في الليل وفي غير أوقات السخرة " انتهى من " شرح صحيح البخاري " (9/ 219) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" ( في كل كبد رطبة أجر ) معناه : في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه : أجر ، ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم ، وهو ما لا يؤمر بقتله ، فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله ، والمأمور بقتله الكلب العقور ، والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن ، وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره ، سواء كان مملوكا أو مباحا ، وسواء كان مملوكا له أو لغيره " .
انتهى من " شرح مسلم " (14/241) .
وعليه : فلا حرج عليك في علاج الكلاب التي يأتي بها الناس إلى عيادتك ، فأنت بذلك تقدم الإحسان والمعروف ، وإن احتسبت الأجر عند الله نرجو أن تنال الأجر العظيم الوارد في الحديث السابق ، ولا يضرك أن بعض من يأتي إليك لا يحل لهم اقتناء الكلب ، فلست مكلفا بالتفتيش عن كل زائر وسبب اقتنائه للكلب الذي جاءك به ، بل تقصد في عيادتك علاج الكلاب الجائز اقتناؤها ، ونصيحة من يقتنيها لغير حاجة بحرمة ذلك وضرره الصحي .
وعلى فرض كون أكثر الكلاب مما لا حاجة لاقتنائه فذلك لا يحرِّم علاجها أو فحصها والعناية بها ، وما ورد في السنة ، وسبق تقريره في الفتوى رقم : (159518) ، (171806) من قتل الكلاب إنما هو مقيد بالمؤذية بسبب عقرها أو شيطنتها ، فمثل هذا لا يجوز اقتناؤه ، ولا علاجه ، ولا العناية به ؛ لأن ذلك مضاد لمقصود الشارع من قتله ، وكف أذاه ، وأما غير المؤذية فلا تقتل ، بل يحسن إليها وتترك بحالها ، إلا ما جاز اقتناؤه مما توفرت له الحاجة ، كالصيد والحراسة ونحو ذلك .
وفي جميع الأحوال ننصحك بلبس القفازات ، والتوقي من رطوبتها من عرق أو لعاب أو بول ونحوه ، فكلها نجسة يجب غسلها سبع مرات إحداهن بالتراب ، كما سبق بيانه في موقعنا ، في الأجوبة الآتية : (13356) ، (41090) ، (46314) ، (119063) .
والله أعلم .