دروس تربوية من قصة زكريا ويحيى عليهما السلام
مدة
قراءة المادة :
31 دقائق
.
دروس تربوية من قصة زكريا ويحيى عليهما السلامالـحمد لله الذي له ما في السماوات، وما في الأرض، وله الـحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:
فإن الله تعالى قد اصطفى أنبياءه الكِرام، وجعلهم قدوة للناس؛ لذلك أحببت أن أذكــــر بعض الدروس التربوية المستفادة من قصة نبيِّين كريمين؛ وهما يحيى وزكريا، صلى الله عليهما وسلم، وذلك من خلال سورة مريم؛ لكي يستفيد المسلمون من سيرتهما المباركة، في حياتهم الدنيا، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا *يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 1 - 15].
قوله: ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]:
مجموع الـحروف الـمذكورة في أوائل السور بحذف الـمكرر منها أربعة عشر حرفًا؛ وهي: ( ا، ل، م، ص، ر، ك، هـ، ي، ع، ط، س، ح، ق، ن).
يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سرٌّ)، وهي نصف الـحروف عددًا؛ قال بعض العلماء: ذُكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذُكرت فيها؛ بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه تركَّب من هذه الحروف المقطَّعة التي يتخاطبون بها؛ ولهذا كل سورة افتُتحت بالحروف، فلا بد أن يُذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورةً؛ [تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 72، 71].
الدروس المستفادة:
1- معجزة القرآن باقية إلى يوم القيامة:
تحدى الله تعالى العرب أولًا بأن يأتوا بمثل القرآن كله؛ فقال سبحانه: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 33، 34]، فعجزوا عن ذلك، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن الكريم؛ فقال سبحانه: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 13، 14]، فعجزوا عن ذلك أيضًا، فتحدَّاهم الله سبحانه أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23، 24]، فعجزوا عن ذلك أيضًا، ثم أثبت الله تعالى عجز جميع الجن والإنس على أن يأتوا بمثل القرآن؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
2- الله تعالى حفظ القرآن الكريم من التحريف:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قرر الله تعالى أنه هو الذي أنزل الذكر؛ وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 527].
• قوله: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ [مريم: 2]؛ أي: هذا ذكر رحمة الله تعالى بعبده زكريا، صلى الله عليه وسلم؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 187].
الدرس المستفاد:
وجوب الإيمان بجميع الأنبياء؛ فيـجب على كل مسلم أن يؤمن بجميع الأنبياء والرسل، وأنهم قد بلَّغوا رسالات الله تعالى، وأنهم جميعًا قد أدَّوا الأمانة، ونصحوا لأُممهم، وأقاموا الـحجة الواضحة عليهم؛ [معارج القبول، حافظ حكمي، ج: 2، ص: 82].
الإيمان بجميع رسل الله تعالى ثابت بدليل القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وإجماع علماء المسلمين.
• قال الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
• قوله: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مريم: 3].
روى ابن جرير الطبري رحمه الله عن السدي رحمه الله: قال: "رغب زكريا في الولد، فقام فصلى، ثم دعا ربه سرًّا"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 454].
تعريف الدعاء:
الدعاء: هو طلب ما ينفع الداعي، وكشف ما يضره؛ [مجموع فتاوى ابن تيمية، ج: 15، ص: 10].
حقيقة الدعاء:
الدعاء: هو في الحقيقة إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله تعالى، والاستكانة له، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه سبحانه؛ [شأن الدعاء، للخطابي، ص: 4، فتح الباري، للعسقلاني، ج: 11، ص: 98].
حثَّنا الله سبحانه على الدعاء في آيات كثيرة من القرآن الكريم:
• قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
• قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
• قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم: 4]؛ أي: ضعُف العظم، ورقَّ من الكبر في العمر.
• قوله: ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم: 4]؛ أي: ابيضَّ شعر الرأس.
• قوله: ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4]؛ أي: لم أشقَ يا رب بدعائك؛ لأنك لم تـخيب دعائي قبلُ؛ إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك، بل كنت تـجيب وتقضي حاجتي قبلك؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 455].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قال العلماء: يُستحب للمرء أن يذكر في دعائه نِعَمَ الله تعالى عليه وما يليق بالخضوع؛ لأن قوله تعالى: ﴿ وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾ [مريم: 4] إظهار للخضوع، وقوله: ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4] إظهارٌ لعادات تفضُّلِهِ في إجابته أدعيته؛ أي: لم أكن بدعائي إياك شقيًّا؛ أي لم تكن تخيب دعائي إذا دعوتك؛ أي إنك عوَّدتني الإجابة فيما مضى؛ [تفسير القرطبي، ج: 11، ص: 77].
• قال الشيخ أحمد مصطفى المراغي رحمه الله: "أورد زكريا عليه السلام قبل سؤاله أمورًا ثلاثة، كل منها يستحق الرحمة والشفقة:
1- ضعفه ظاهرًا وباطنًا، وأثر الأول قد ظهر في العظام التي هي حاملة سائر الأعضاء، ومتى وصل إليها الضعف، كان ضعف ما عداها أولى وأجدر، وأثر الثاني واضح باستيلاء الشيب على الرأس واضطرامه في السواد.
2- إنه ما رُدَّ دعاؤه ولا خاب استعطافه حينًا من الدهر، بل كان كلما دعا استُجيب له، وهو في هذه الحال أجدر بالإجابة؛ لضعفه وشيخوخته، وفي هذا إشارة إلى لطف الله به، وعظيم فضله عليه، مدى حياته.
3- إن في إجابة الطلب منفعة دينية؛ إذ إنه خاف أن المواليَ – أي: الورثة الذين يخلفونه في إقامة الشعائر الدينية - لا يؤدون ما يجب عليهم نحو الدين من نشره وتبليغه الناس وعبادة الله كما أمر، والذب عنه إذا جدَّ الجِدُّ، ووجب الدفاع عنه؛ [تفسير المراغي، ج: 16، ص: 34].
• قوله: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ﴾ [مريم: 5]؛ الـموالي: أي: الورثة.
قال بعض العلماء: وجْهُ خوف زكريا صلى الله عليه وسلم أنه خشِيَ من ورثته أن يتصرفوا بعد موته في الناس تصرفًا سيئًا، فسأل الله ولدًا، يكون نبيًّا من بعده، ليسُوسَهم بنبوته وما يُوحَى إليه، فأُجيب في ذلك، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله، فإن النبي أعظم منزلةً وأجلُّ قدرًا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده أن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد، فيحوز ميراثه دونهم؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 212].
• قوله: ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾ [مريم: 5]: أي: كانت زوجتي لا تلد.
• قوله: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 5]: أي: فارزقني من عندك ولدًا وارثًا ومعينًا؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 457].
• قوله: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ [مريم: 6]؛ أي: يرث ميراث النبوة؛ ولهذا قال: ﴿ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ [مريم: 6]؛ كما قال تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ [النمل: 16]؛ أي: في النبوة؛ إذ لو كان في المال لَما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبيرُ فائدة؛ إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والـملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة))؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 213].
• قوله: ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 6]؛ أي: مرضيًّا عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خَلْقِك في دينه وخلقه؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 214].
فائدة مهمة:
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "لما رأى زكريا عليه السلام أن الله تعالى يرزق مريم عليها السلام فاكهةَ الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذٍ في الولد، وكان شيخًا كبيرًا قد ضعُف، ووهن منه العظم، واشتعل رأسه شيبًا، وإن كانت امرأته مع ذلك كبيرةً وعاقرًا، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداءً خفيًّا"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 37].
الدرس المستفاد:
الأنبياء هم أشد الناس ابتلاءً في الحياة الدنيا.
• روى ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلَى العبد على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقة، ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه من خطيئة))؛ [حديث حسن صحيح، صحيح ابن ماجه، للألباني، حديث: 3249].
• قوله: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾ [مريم: 7].
• قال الإمام الطبري رحمه الله: "فاستجاب له ربه، فقال له: يا زكريا، إنا نبشرك بهبتنا لك غلامًا اسمه يحيى، كان قتادة يقول: إنما سماه الله يحيى؛ لإحيائه إياه بالإيمان"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 461].
• قوله: ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7]؛ قال قتادة بن دعامة رحمه الله: "لم يُسَمَّ يحيى أحد قبله"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 463].
فائدة مهمة:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "إن اعترض معترض، فقال: ما وجه الـمدح باسمِ لم يُسَمَّ به أحد قبله، ونرى كثيرًا من الأسماء لم يُسبق إليها؟ فالجواب: أن وجه الفضيلة أن الله تعالى تولى تسميته، ولم يكِلْ ذلك إلى أبويه، فسمَّاه باسم لم يُسبق إليه؛ [زاد المسير، لابن الجوزي، ج: 3، ص: 120].
الدرس المستفاد:
الدعاء يصنع المعجزات بإذن الله سبحانه وتعالى.
هذه حقيقة ثابتة وظاهرة لكل مسلم قرأ قصص الأنبياء والصالحين، الذين استجاب الله تعالى لدعائهم.
وسوف نذكر أمثلةً لإجابة الله تعالى لدعاء بعض الصالحين:
1- خروج الأصدقاء الثلاثة من الغار بعد أن سدَّت الصخرة باب الغار؛ [البخاري، حديث 2272، مسلم، حديث 2743].
2- ظهور براءة العبد الصالح جريج من جريمة الزنا بالمرأة البغي؛ [البخاري، حديث 3436].
3- إصابة أروى بنت أويس بالعمى، وهلاكها بسقوطها في بئر في بيتها؛ كما دعا عليها سعيد بن زيد رضي الله عنه، عندما كذبت وأخذت بيته ظلمًا؛ [مسلم، حديث 1610].
• قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 8].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "هذا تعجب من زكريا عليه السلام، حين أُجيب إلى ما سأل، وبُشر بالولد، ففرح فرحًا شديدًا، وسأل عن كيفية ما يُولد له، والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته كانت عاقرًا لم تلد من أول عمرها مع كِبرها، ومع أنه قد كبر وعتا؛ أي: عسا عظمه ونَحَلَ، ولم يبقَ فيه لقاح ولا جماع"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 214].
الدرس المستفاد:
الله تعالى قادر على كل شيء.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117].
• قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ﴾ [مريم: 10].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي: اجعل لي علامةً ودليلًا على وجود ما وعدتني؛ لتستقر نفسي، ويطمئن قلبي بما وعدتني؛ كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 215].
• قوله: ﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ [مريم: 10].
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول جل ثناؤه: علامتك لذلك، ودليلك عليه ألَّا تكلم الناس ثلاث ليالٍ وأنت سوِيٌّ صحيح، لا علة بك من خرسٍ ولا مرضٍ يمنعك من الكلام"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 467].
قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، ووهب بن منبه، والسدي، وقتادة، وغير واحد: "اعتُقل لسانه من غير مرض".
روى الطبري عن ابن زيد: قال: "فحُبس لسانه، فكان لا يستطيع أن يكلم أحدًا، وهو في ذلك يسبح، ويقرأ التوراة ويقرأ الإنجيل، فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 469].
• قوله: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ﴾ [مريم: 11].
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: فخرج زكريا على قومه من مُصلَّاه حين حُبس لسانه عن كلام الناس، آيةً من الله له، على حقيقة وعده إياه ما وعد"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 470].
• قوله: ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ﴾ [مريم: 11]؛ أي: أشار إليهم.
• قوله: ﴿ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11].
قال الإمام الطبري رحمه الله: "قد يـجوز التسبيح في هذا الـموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذِكر الله، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر الله في طرفي النهار بالتسبيح، ويجوز أن يكون عنى به الصلاة، فيكون أمرهم بالصلاة في هذين الوقتين"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 473].
روى الطبري عن قتادة بن دعامة رحمه الله قال: "أوحى: أشار إليهم، أن صلوا بكرةً وعشيًّا"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 473].
الدرس المستفاد:
الإكثار من ذكر الله تعالى له ثمرات مباركة تعود بالخير على المسلم في الدنيا والآخرة.
كفالة زكريا لـمريم:
قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 35 - 37].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها؛ لتقتبس منه علمًا جمًّا نافعًا، وعملًا صالحًا؛ ولأنه كان زوج خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل: زوج أختها؛ كما ورد في الصحيح: ((فإذا بيحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة)، وقد يُطلَق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا توسعًا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 35].
• قوله: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12].
• قوله: ﴿ خُذِ الْكِتَابَ ﴾ [مريم: 12]؛ أي: تعلَّم كتاب الله تعالى الذي أنزله على موسى صلى الله عليه وسلم؛ وهو التوراة؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 473].
• قوله: ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]؛ أي: بجدٍّ وحرص واجتهاد في العمل به.
• قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]؛ أي: الفهم والعلم، والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير السن؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 216].
• قال معمر بن راشد رحمه الله: "قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، قال: ما للعب خُلقت، قال: فلهذا أنزل الله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 216].
• قوله: ﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ [مريم: 13]؛ أي: ورحمةً من عندنا.
• قوله: ﴿ وَزَكَاةً ﴾ [مريم: 13]؛ أي: الطهارة من الدنس والآثام والذنوب؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 217، 216].
• قوله: ﴿ وَكَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 13]؛ أي: كان لله خائفًا مؤديًا فرائضه، مجتنبًا محارمه، مسارعًا في طاعته.
• قوله: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ ﴾ [مريم: 14]: كان برًّا بوالديه، مسارعًا في طاعتهما ومحبتهما، غير عاقٍّ بهما.
• قوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]؛ أي: لم يكن مستكبرًا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعًا متذللًا، يأتمر لما أُمر به، وينتهي عما نُهيَ عنه، لا يعصي ربه، ولا والديه؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 480].
• قوله: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15]؛ أي: له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 217].
• قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "أوحش ما يكون الـخلق في ثلاثة مواطن: يوم يُولد، فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يُبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم، قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصَّه بالسلام عليه، ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15]"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 217].
الدرس المستفاد:
تقوى الله تعالى سبب لرضا الله تعالى عن عبده وحفظه له.
إن نصرة الله تعالى وتأييده لعباده المتقين وتوفير الأرزاق لهم حقيقةٌ ثابتة نراها أمام أعيننا.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وقال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
تظهر آثار التقوى على المسلم نفسه، وعلى ذريته من بعده ولأجيال عديدة.
قال الله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].
معنى التقوى:
تقوى الله: تعني الخوف من الله تعالى في السر والعلانية.
• قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه، من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك؛ وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه"؛ [جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ج 2، ص: 468].
• قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
• قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2] يقول: "نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة"؛ [تفسير الطبري، ج: 23، ص: 43].
تزكية الله تعالى ليحيى:
قال الله تعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 38، 39].
• قوله: ﴿ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 39]؛ أي: بعيسى ابن مريم.
• قوله: ﴿ وَسَيِّدًا ﴾ [آل عمران: 39]؛ قال قتادة رحمه الله: "سيدًا في العلم والعبادة".
• قوله: ﴿ وَحَصُورًا ﴾ [آل عمران: 39]: أي: معصومًا من الذنوب.
• قوله: ﴿ وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 39]: هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 39:37].
الدرس المستفاد:
تربية الأطفال والشباب باستخدام القصص الواقعية الهادفة:
القصص الهادفة لها أثر تربوي في نفوس الشباب، وهي من أهم وسائل التربية؛ وذلك لأن النفس البشرية تميل إلى الأسلوب القصصي، وقد ذكر الله تعالى كثيرًا من القصص في القرآن الكريم من أجل تربية الناس.
قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].
يستطيع المسلم الذي يتولى تربية الأطفال والشباب أن يقص عليهم بعض قصص الأنبياء والصالحين؛ ليقتدوا بهم في حياتهم الدنيا؛ وقد استخدم نبينا صلى الله عليه وسلم الأسلوب القصصي في تربية أصحابه الكرام رضي الله عنهم جميعًا، والقرآن الكريم يستخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه، التي يشملها منهجه التربوي؛ تربية الروح والعقل والجسم؛ لترسيخ المعاني الإيمانية، وغرس الفضائل في نفوس أصحابه، ومن القصص النبوي: قصة الثلاثة من بني إسرائيل؛ الأبرص، والأقرع، والأعمى، الذين أراد الله تعالى أن يختبرهم؛ [البخاري، حديث 3464].
قصة الرجل الذي اقترض ألف دينار؛ [البخاري، حديث 2291].
جرة الذهب؛ [البخاري، حديث: 3472، مسلم، حديث: 1721].
لا تقتصر التربية على القصص القرآني والنبوي، ولكن أيضًا سير سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، من العلماء الصالحين.
مقتل نبي الله يحيى بن زكريا:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "ذكروا في مقتل يحيى عليه السلام أسبابًا كثيرةً؛ من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقيَ في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها، فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها؛ [البداية والنهاية، لابن كثير، ج: 2، ص: 49].
ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.