عنوان الفتوى : كراهية التسمي باسم يوشع
مدة
قراءة السؤال :
دقيقة واحدة
أي من هذه الأسماء الآتية تدخل تحت الشريعة الإسلامية : يوشع ، أو يوشا ، وما هو النطق الصحيح ؟
مدة قراءة الإجابة :
10 دقائق
الحمد لله.
أولا :
الاسم الصحيح الذي ثبت لفظه في السنة النبوية هو يوشع بن نون ، وهو اسم الفتى الذي رافق موسى عليه السلام في رحلته إلى الخضر ، والذي فصَّل القرآن الكريم قصتهما في سورة الكهف ، فقد ثبت في " صحيح البخاري " (3401) ، وفي " صحيح مسلم " (2380) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا ) .
وكان ذلك الفتى أحد أنبياء بني إسرائيل فيما بعد ، وأشهر قادتهم ورموزهم التاريخية ؛ وهو الذي تولى مقام النبوة بعد موت موسى عليه السلام ، وقد جاء خبره في السنة النبوية في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى بَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (14/65) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة : إسناده صحيح على شرط البخاري ، وكذا قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (1/301) ، وصححه ابن حجر في " فتح الباري " (6/255) ، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (2226) .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" قام بأعباء النبوة بعد موسى وتدبير الأمر بعده : فتاه يوشع بن نون عليه السلام ، وهو الذي دخل بهم بيت المقدس " انتهى من " البداية والنهاية " (1/359) .
واسم ( يوشع ) ، أو ( يشوع ) " هو المقابل العربي للاسم العبري يهوشواع ومعناه يهوه [ الرب ] هو الخلاص ، ويشوع بن نون ، كان اسمه في البداية شواع ، وأضاف موسى الجزء الأول فصار يهوشواع ، ثم دعاه موسى يشوع . وهو يُسمَّى أيضاً يوشع . وهو خليفة موسى وخادمه ، وابن نون من سبط إفرايم " انتهى . ينظر " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " (4/229) (Joshua) .
وقد اقترن اسم هذا النبي الكريم في المعرفة التوراتية والثقافة الإسرائيلية بالقائد العسكري الصلب الذي استعمل جميع الأساليب المحظورة في سبيل تثبيت عرش دولة العبرانيين ، كالحرق والهدم والابتزاز بالعاهرات ونحو ذلك مما نعتقد بطلان نسبته إليه ، فالأنبياء في العقيدة الإسلامية معصومون من الوقوع في كبائر الذنوب وخوارم المروءة ، ومعلوم أن الكتب المحرفة التي في أيدي اليهود تشتمل على الكثير جدا من الطعن المخزي في رسل الله وأنبيائه .
جاء في " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " (4/229) حول نبي الله يوشع بن نون ، أو يشوع بن نون : " وُلد في مصر ، وأرسله موسى مع كالب ليتجسسا . ويُصوِّره العهد القديم باعتباره نبياً وقائداً عسكرياً قاد القبائل العبرانية إلى أرض كنعان ، واقتحمها حسب الرواية التوراتية بعد معارك ضارية مع العموريين والمؤابيين والفرزيين والكنعانيين والحيثيين والجرجاشيين والحوريين واليبوسيين ، فأحرقوا بعض مدنهم ، وقتلوا رجالهم مستخدمين الوسائل كافة ، ومن ذلك الخداع والتجسس عن طريق العاهرات (1250 ـ 1200 ق. م).
استمر يشوع بن نون في حكم العبرانيين مدة ثمانية وعشرين عاماً ، فقسَّم الأرض التي احتلوها بالقرعة على القبائل العبرانية ، واستثنى اللاويين الذين قاموا بالأعمال الكهنوتية ، وترك ست مدن على الشاطئين الأيمن والأيسر لنهر الأردن لتكون ملجأ للمشرَّدين من العبرانيين المتهمين بالقتل الخطأ ، وكان يُحذِّر جماعة يسرائيل من ترك الرب وعبادة آلهة غريبة ، ويروي سفر يشوع أخباره ، ومن بينها أنه أصدر أمره إلى الشمس بأن تقف حتى ينتقم من أعدائه فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل (يشوع 10/13) .
ويشوع هو الذي أمر العبرانيين بأن يطوفوا بأسوار أريحا سبع مرات وأمامهم سبعة كهنة ينفخون في الأبواق ، فسقط السور وسقطت المدينة في أيديهم . ويُفسِّر بعض المحدَثين من اليهود هذه الظاهرة بأنه من تأثير شدة ذبذبات أصوات الأبواق . ومهما يكن الأمر ، فقد قام يشوع بإحراق أريحا بالنار بأمر يهوه وكل ما بها ما عدا راحاب العاهرة (يشوع 6/22 ـ 24) .
ويُلاحَظ أن التصوُّر السائد للخالق في سفر يشوع لا يختلف كثيراً عما جاء على نقش ميشع ، حيث نجد أن الإله القومي يجد غبطة غير عادية في عمليات القتل والإبادة التي يقوم بها شعبه .
وتحاول الأجاداه أن تبرر قيامه باغتصاب أرض كنعان من أهلها على أساس أن العهد الإلهي قد وعد بهذه الأرض لنسل يعقوب ، وأن الكنعانيين كانوا مجرد أوصياء عليها .
وقد تزوج يشوع من العاهرة راحاب التي ساعدت جواسيسه ، وذلك بعد أن تهودت .
ومما تجدر الإشارة إليه، أن العَالم هـ. تامارين قد أجرى استفتاء في عدد من مدارس (تل أبيب) والمدن والمستعمرات الإسرائيلية ، حول الأساليب الهمجية التي انتهجها يشوع ، فتوصَّل إلى أن نحو 66 - 95% أيَّدوا ذلك الأسلوب ، وأن 30% من التلاميذ كانوا يؤيدون بصورة قطعية إبادة السكان العرب تماماً في المناطق المحتلة . ومن الأجوبة التي تلقاها : لقد تصرَّف يشوع بن نون تصرفاً حسناً بقتله جميع الناس في أريحا ، ذلك لأنه كان من الضروري احتلال البلاد كلها ، ولم يكن لديه وقت لإضاعته مع الأسرى .
وثمة إشارات عديدة في أدبيات جوش إيمونيم وجماعة كاخ إلى يشوع ، وإلى أن أسلوبه الإبادي هو الأسلوب الأمثل في التعامل . وقد دعا كاهانا المؤسسة الدينية إلى تبيان أن أسلوبه هذا جزء عضوي من الدين اليهودي والرؤية اليهودية لسكان الأرض من غير اليهود " انتهى .
ولهذا نقول إنه رغم أن الأصل في مثل هذا الاسم عدم الحرج في التسمية به ؛ إذ هو اسم أحد أنبياء الله عز وجل ، وقد استحب الفقهاء التسمي بأسماء الرسل والأنبياء ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (7180) ، (193364) .
غير أننا اليوم لا نستحب تسمية الابن باسم " يوشع "، بل نكره ذلك ؛ لأنه قد اقترن بالديانة اليهودية كثيرا ، بالقدر الذي وصفته " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " بقولها : " تتزايد أهمية يوشع بن نون الذي يعرفه أطفال المدارس الإسرائيلية خير معرفة باعتباره البطل العبراني الذي قاد عملية إبادة الأقوام الكنعانية ".
ونحن - وإن كنا لا نرضى أن يستأثر اليهود بأنبياء الله ، ويلحقوا بهم الكذب والافتراء - ولكن الذي يهمنا هنا هو ذلك الطفل الذي سيسميه والده باسم " يوشع " أو " يشوع "، فكم هي المعاناة التي ستلحقه في عالمنا اليوم ، ممن يظنه يهودي الديانة ، وهو مسلم والحمد لله ، الأمر الذي سيتساءل بسببه كل من يسمع اسمه عن سر تسميته بذلك رغم إسلامه .
ومراعاة تغير الزمان وأعراف المجتمعات وثقافات البشر أمر مطلوب في الشريعة الإسلامية ، ولا ينبغي إهمال ذلك بناء على قواعد عامة في استحباب التسمية بأسماء الأنبياء ، فالعرف مخصِّص كافٍ ومقيِّدٌ مقنِع ، بل لعل ذلك هو السبب في قول بعض العلماء بعدم استحباب التسمية بأسماء الأنبياء ، كما نقله ابن القيم في " تحفة المودود ".
للمزيد ينظر الفتوى رقم : (114466) ، (101401) .
والله أعلم .