عنوان الفتوى : الاستمرار في العمل المحرم بغية التصدق على الفقراء
اشتركت في شركة على النت وعلمت أنها حرام شرعا وقررت أن أستمر بها حتى أسترجع أموالي، علما بأن اشتراكي بها لمدة عام وتجاوز الآن شهرين فقط واسترجعت أموالي: فهل يجوز لي أن أستمر بهذه الشركة ما تبقى من السنة والأموال التي أجنيها أقوم بتوزيعها على الفقراء؟ مع أنني لا أجد عملا حاليا ولا يوجد لدي من الأموال إلا 5 آلاف جنيه فقط هي قيمة اشتراكي في الشركة التي أخذتها وهي حر مالي وأمامي عقد للسفر إلى الخارج وقيمته 25 ألف جنيه ولا أملك هذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ من هذه الأموال؟ وهل يجوز لي أن أعطي أخي الذي يقوم بتشتطب شقته ونفدت أمواله وهو لا يعمل من هذه الأموال؟ وهل يجوز لي أن أصرفها على علاجي إن كنت أعاني من مرض مزمن؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت علمت أن العمل مع هذه الشركة عمل محرم، فلا يجوز لك الاستمرار معها، حتى ولو بغرض التصدق بما تجنيه منها على الفقراء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم.
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: الصدقة بالمال الحرام غير مقبولة، كما في صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ـ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تصدق عبد بصدقة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ـ وذكر الحديث. وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يكتسب عبد مالا من حرام، فينفق منه فيبارك فيه، ولا يتصدق به فيتقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث ـ ويروى من حديث دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كسب مالا حراما فتصدق به، لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه ـ خرجه ابن حبان في صحيحه، ورواه بعضهم موقوفا على أبي هريرة. وفي مراسيل القاسم بن مخيمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه، وتصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك جميعا، ثم قذف به في نار جهنم ـ وروي عن أبي الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالا من غير حله فتصدق به، مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة. وسئل ابن عباس عمن كان على عمل، فكان يظلم ويأخذ الحرام، ثم تاب، فهو يحج ويعتق ويتصدق منه، فقال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، وكذا قال ابن مسعود: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، ولكن الطيب يكفر الخبيث، وقال الحسن: أيها المتصدق على المسكين يرحمه، ارحم من قد ظلمت. اهـ.
وإذا وجب عليك ترك هذا العمل الحرام، فلا مكان للسؤال عن مجالات إنفاقه، وأما كونك لا تجد عملا، فعليك أن تستعين بالله تعالى وتلح في الدعاء وتجتهد في البحث عن عمل حلال، واصبر وأحسن ظنك بالله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤنة، وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء. رواه البزار، وحسنه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح ـ وصححه الألباني.
وراجع الفتويين رقم: 181591، ورقم: 145805.
والله أعلم.