عنوان الفتوى : كيف للعامي أن يعرف من هم العلماء ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كيف يمكن لنا أن نعرف إذا ما كان الشخص عالماً ؟ وكيف نميز بين مستوى العلماء على سبيل المثال ؟ هل يصح أن يكون مفتياً أم لا ؟ حتى يمكننا أن نضعه في مستواه ، ولا نكون ظالمين . وما هي منزلة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني ، دون أن نبخسهم حقهم ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق


الحمد لله
لسنا مع رأي بعض علماء أصول الفقه القائلين بأن غير المختص في العلوم الشرعية : لا يمكنه الاجتهاد مطلقا في انتقاء العلماء المجتهدين وتمييزهم عن غيرهم ، خاصة وأننا اليوم نعيش عصر العلم وانتشار المعرفة والثقافة بفضل الله سبحانه ، بحيث صار كثيرٌ من الناس يمتلك أدوات الفكر والتمييز والاختيار .
ونحن هنا يمكننا أن نرشد إلى بعض الأمارات والعلامات التي يمكن الاستعانة بها في هذا الإطار ، وهي :
أولا :
علامة العالم الفقيه المتأهل للفتوى الاستدلال بآيات الكتاب الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وتمييز صحيحها من سقيمها ، والناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، ومعرفة دلالتها وسياق نزولها ، ذلك لأن العالم الحق هو الذي يقدم القرآن الكريم في سلم أولوياته ؛ لأنه منبع العلم ، ومصدر الفقه ، وعليه مدار التشريع والأحكام .
ثانيا :
ومن علامتهم التدين التام والأخلاق الحسنة الفاضلة ، مع الحرص على الاقتداء بالسلف الصالحين ، من الصحابة والتابعين ، والأئمة المتبوعين ، فلا يخرجون عن هديهم العام ، وكل فتوى أو كلمة تصدر منهم يعزونها لأحد الأئمة السابقين ، كأبي بكر وعمر ، وسفيان والأوزاعي، وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، والغزالي والعز بن عبد السلام والنووي ، وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حجر ، وغيرهم من علماء الإسلام الذين لا يختلف المسلمون في إمامتهم وديانتهم .
أما إذا وجدت أحد الناس اليوم لا يعتمد هؤلاء العلماء ، ولا يرفع بهم رأسا ، ولا يتقيد بمناهجهم العامة في علوم الشريعة ، فاعلم أنه ليس من " التابعين بإحسان "، بل هو ممن أساؤوا الاتباع ، واختاروا الابتداع .
والمقصود هنا اتباع مناهج العلم المعتبرة ، وليس التقليد في كل كبيرة وصغيرة ، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا :
ومن أبرز علامات العالم الحق ، والمفتي العدل ، التي نرشد الناس إليها ، أنهم لا ينغلقون على طائفة ، ولا ينفردون عن الأمة باسم أو وصف ، بل انتسابهم لرحم هذه الأمة وعمقها الضارب في التاريخ الإسلامي كله ، أما من ينتمي إلى فرقة عقائدية خاصة ، كالبريليوية أو الديوبندية أو القاديانية ونحوها ، أو ينفرد عن وصف " أهل السنة والجماعة " باسم مستحدث وهيكل تنسُّكي خاص ، فغالبا ما يكون ذلك علامة على البدعة والخروج عن السنة ؛ إذ لو كان المعتقد الذي يحمله هو معتقد المسلمين من أهل السنة لما احتاج إلى أن يخرج إلى وصف آخر ، أو أن يتسمى بغير ما سماه الله به ، وقد قال الله عز وجل : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78.
أما الانتساب إلى الأعمال الدعوية للتعاون على برامج عملية ، فليس هو المحذور المقصود هنا ، وكذلك الانتساب الفقهي لأحد المذاهب الأربعة ، بل المقصود الانتساب العقائدي لفرقة تتبنى توجها عقائديا خاصا ليس من عقائد أهل السنة والجماعة ، وتجتمع عليه ، وتوالي وتعادي عليه .
رابعا :
الشهادات العلمية المعتمدة أمارة لا بأس بالنظر فيها ، والاستئناس بها ، خاصة الشهادات العليا في تخصص معين ، ومن جامعة مرموقة على مستوى العالم الإسلامي في ذلك التخصص ، بل كثيرا ما يكون من المهم - عند السؤال عن إشكال معين أو قضية دقيقة تحتاج إلى بحث وتحرير – أن يسأل من تخصص في تلك المسألة في دراسته العليا ، وكتب فيها بحث الماجستير أو الدكتوراة ، فمثل هذه الأبحاث كثيرا ما تكون متقنة ، بسبب العناية والاهتمام من الجامعات المعتمدة ، وإشراف الأساتذة المختصين ، وتعرض الكاتب للحوار والنقاش حول جميع ما كتبه .
ولكن هذا لا يعني أن كل من حمل شهادة الشريعة من إحدى الجامعات فقد بلغ درجة العلم والفتيا في الدين ، فليس ذلك مقصودا لنا ، فقد رأينا الكثيرين جدا من حملة هذه الشهادات ممن لا يضبطون العلم ، ولا يحسنون الفقه ، ولا يملكون الأهلية لبلوغ ذلك ، بسبب تقصيرهم في الاستمرار والبحث والمتابعة .
وإنما المقصود أن هذه العلامة يمكن أن نجعلها دليلا ثانويا ، بعد التثبت ، أو قرينة ، تضم إلى غيرها العلامات الأخرى.
خامسا :
ومن أهم العلامات التي نرشد الناس إلى العناية بها أيضا أن يكون هذا المفتي أو العالم ممن استفاضت شهرته وثقته وعلمه بين النخب العلمية ، والأوساط المتخصصة ، وليس فقط بين عامة الناس ، بل يشهد له العلماء والمختصون بالفهم والحذق ، ويسلمون له بالإتقان والحجة ، ونستدل هنا بما ذكره علماء الحديث في طرق إثبات عدالة الراوي ، وذلك عند قول ابن الصلاح رحمه الله : " تارة تثبت بتنصيص معدلين على عدالته ، وتارة تثبت بالاستفاضة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة ، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا ، وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه ، وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه " انتهى من " مقدمة ابن الصلاح " (ص/105).
فالشهرة بالعلم بين الأوساط العلمية علامة كافية للجوء إلى هذا العالم وسؤاله فيما أشكل من أمر العلم .
ولكن جميع ما مضى يبقى في دائرة الأمارات ، وليست وسائل للجزم واليقين ، فالجزم لا يتمكن منه إلا المختصون بذلك العلم نفسه .
يقول ابن الصلاح رحمه الله :
" يجب عليه [ يعني العامي المقلد ] قطعًا البحث الذي يعرف به صلاحية من يستفتيه للإفتاء ، إذا لم يكن قد تقدمت معرفته بذلك ، ولا يجوز له استفتاء كل من اعتزى إلى العلم ، وإن انتصب في منصب التدريس أو غيره من مناصب أهل العلم ، بمجرد ذلك .
ويجوز له استفتاء من تواتر بين الناس أو استفاض فيهم كونه أهلا للفتوى .
وعند بعض أصحابنا المتأخرين : إنما يعتمد قوله : أنا أهل للفتوى ، لا شهرته بذلك ، والتواتر ؛ لأن التواتر لا يفيد العلم إذا لم يستند إلى معلوم محسوس ، والشهرة "بين" العامة لا يوثق بها، وقد يكون أصلها التلبيس .
ويجوز له أيضًا استفتاء من أخبر المشهور المذكور عن أهليته ، ولا ينبغي أن يكتفي في هذه الأزمان بمجرد تصديه للفتوى واشتهاره بمباشرتها ، لا بأهليته لها " ينظر " أدب المفتي والمستفتي " (ص: 158) ، ونقله النووي في " المجموع " (1/54) ، وابن تيمية كما في " المستدرك على مجموع الفتاوى " (2/259) .
وللتوسع يمكن أن تراجع الفتاوى الآتية : (145071) .
أما عن كل من الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني رحمهم الله فشهرتهم بين أهل العلم والمختصين بالعلوم الشرعية شهرة متواترة مستفيضة ، وهم من خير الأمثلة التي توضح العلامات التي سبق تفصيلها في جوابنا ، فقد اجتمعت فيهم خصال العلم والخير والفضل كلها بإذن الله سبحانه ، وشهد لهم القاصي والداني بذلك . وفي موقعنا بعض الأجوبة المتعلقة بهم ، منها الفتوى رقم : (113687) .
ومن أهم المراجع التي توسعت في الترجمة لهم ، وبيان ثناء العلماء عليهم ، وارتفاع قامتهم في عصرنا الحاضر ، الكتب الآتية :
1. " إمام العصر "، ناصر الزهراني .
2. " الشيخ ابن باز " مانع الجهني .
3. " الإنجاز في سيرة الإمام عبد العزيز بن باز " عبدالرحمن الرحمة .
4. " الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين "، وليد الحسن .
5. " ابن عثيمين الإمام الزاهد "، ناصر الزهراني .
6. " حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه "، محمد إبراهيم الشيباني .
والله أعلم .