عنوان الفتوى : الحكمة البالغة في قيام الناس لرب العالمين بعد الموت
بسم الله الرحمن الرحيمأنا شاب عمري 25 سنة والحمد لله مبتعد عما يغضب الله ولكن الآن أعمل.. ولدي زميلة عمل هي أجنبية الجنسية وأمها عربية مسلمة التزمت من فترة ومتمسكة بالحجاب الحق مع العلم بأني أرفض الاختلاط مع النساء وفي يوم من الأيام صار حديث بيني وبينها بالدين وسألتني سؤالاً وهو: تقول ( سألت نفسي سؤالا لماذا يبعثنا الله بعد الموت ) حيث إنها هي مؤمنة بذلك ولكن تقول لماذا؟ أرجو الرد علي وعليها وما حكم أن أناقشها بأمور الدين أو العمل مع عدم وجود أي علاقة أو نقاش خارج النطاقين وأعرف أن محادثة النساء لا تجوز؟ جزاكم والله عنا كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبعث بعد الموت مما اتفق عليه أهل الشرائع السماوية، بل وعامة الخلق إلا نفرا من الملحدين والوثنيين.
والحكمة فيه واضحة لا تخفى، فالخلق يبعثون للمجازاة على أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
والحياة الحقيقية إنما تكون في الآخرة، وأما الدنيا فهي دار ابتلاء وامتحان، فمن أحسن فيها، واتقى ربه سبحانه كان من الفائزين المنعمين في الآخرة، ومن أساء لقي جزاء إساءته.
قال الله تعالى مبيناً حكمة البعث:أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ [المؤمنون: 115-116].
أي تنزه الله تعالى عن هذا العبث، وهو خَلْقُ الإنسان وتَرْكُه دون حساب وجزاء.
وقال سبحانه:إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:4].
وقال سبحانه:إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15]. وقال تعالى:هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ*وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ [الجاثية: 29-30-31].
وقال سبحانه:زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن: 7].
إلى غير ذلك من الآيات المحكمات الدالة عل أن حكمة البعث هي المحاسبة والمجازاة.
ولو لم يكن مبعث لكانت الحياة الدنيا هي نهاية المطاف، ولأمن الظالم والباغي من العقاب فعاث في الأرض فساداً، ولباء الفقير والمحروم المضطهد في هذه الحياة بالخسران.
وبالجملة فنفي البعث يعني أن تتحول الدنيا إلى غابة موحشة يأكل فيها القوي الضعيف، دون خوف أومبالاة إلا من الخوف اليسير من متابعة القضاء، وما أكثر الطرق التي يمكن بها الاحتيال والهروب من سلطته، والمؤمن إنما يترك ظلم الآخرين ويصبر على متاعب الحياة وآلامها، ويتحمل ما جاءه من البلاء في طريق طاعته واستقامته، ابتغاء رضوان الله تعالى والفوز بجنته، وهذا لا يكون إلا بعد البعث، قال تعالى عن المؤمن الذي يأخذ كتابه بيمينه:فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة: 21-22-23-24].
وروى مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا بن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يارب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط.
وأما عن مناقشتك لها في أمور الدين أو العمل فننصحك بترك ذلك والإعراض عنه بالكلية، فإن للشيطان مداخل على العبد الصالح قد لا ينتبه لها، والنفس أمارة بالسوء، وللنساء فتنة عظيمة تخوف منها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فقال: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
وقال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم.
وينبغي أن تبحث عن عمل لا اختلاط فيه، سلامة لدينك وبعداً عن الفتنة.
والله أعلم.