عنوان الفتوى : تفسير: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ...
ناقشت صديقا لي في الآية الكريمة: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {النــور: 26} فقال لي إن هذه الآية غير مطبقة في الواقع واستدل بزوجة سيدنا لوط بحيث كانت خبيثة وهو طيب وكذلك زوجة فرعون هي طيبة وهو خبيث, فما هو ردكم؟ وهل هذا صحيح؟ المرجو الرد لأن هذه شبهة, وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال متقاربة، منها أن الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول، وهذا قول عبد الله بن عباس، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك، واختاره ابن جرير الطبري، فقد قال الطبري رحمه الله: وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية: قول من قال: عنى بالخبيثات: الخبيثات من القول، وذلك قبيحه وسيئه، للخبيثين من الرجال والنساء، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول، هم بها أولى، لأنهم أهلها، والطيبات من القول، وذلك حسنه وجميله، للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول، لأنهم أهلها وأحقّ بها، وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية: لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في عائشة الإفك، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به: أشبه من الخبر عن غيرهم، وقوله: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ ـ يقول: الطيبون من الناس مبرّءون من خبيثات القول، إن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها، ويغفرها لهم وإن قيلت فيهم ضرّت قائلها ولم تضرّهم، كما لو قال الطيبَ من القول الخبيثُ من الناس لم ينفعه الله به، لأن الله لا يتقبله.. ولو قيلت له لضرّته، لأنه يلحقه عارها في الدنيا، وذلها في الآخرة. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثة للخبيثين، ومن كلام بعضهم: الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين، وقد قال تعالى: ضرب الله مثلاً كلمة طيبة، ومثل كلمة خبيثة، وقال الله: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ـ والأقوال والأفعال صفات القائل الفاعل، فإذا كانت النفس متصفة بالسوء والخبث لم يكن محلها ينفعه إلا ما يناسبها. اهـ.
وقيل إنه يراد بها الأشخاص، فالخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء، كما قال القرطبي رحمه الله: وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة { النور:3 الآية} فالخبيثات: الزواني، والطيبات: العفائف، وكذا الطيبون والطيبات، واختار هذا القول النحاس أيضاً، وهو معنى قول ابن زيد. اهـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. وهذا ـ أيضاً ـ يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم، أي: ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعاً ولا قَدَراً، ولهذا قال: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ـ أي: هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ـ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ـ أي: بسبب ما قيل فيهم من الكذب ـ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ـ أي: عند الله في جنات النعيم، وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة. اهـ.
والمعنى على هذا ـ والله تعالى أعلم ـ أن المعتاد واللائق بكل واحد من هؤلاء هو ما يشابهه، أي أن شأن الخبيثات أن ينكحن الخبيثين، وشأن الطيبات أن ينكحن الطيبين، وربما تغير هذا فتزوج طيب من خبيثة أو العكس، وراجع في هذا الموضوع فتوانا رقم: 53577، وفتوانا رقم: 33972.
والله أعلم.