عنوان الفتوى : هجر الأخ العاقّ لوالديه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لي أخ (أصغر مني) لا يحترم إخوته الأكبر منه ، وفي بعض الأحيان يعتدي حتى على والديه بالكلام ، هل يجوز لي مقاطعته إلى أن يصبح بارّا يحترم والديه وإخوته ، ولو قاطعته لسنوات؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله

أولاً :

ما ذكرته عن أخيك تجاه والديك أمرٌ منكر ، وهو من كبائر الذنوب ؛ لأن حق الوالدين حق عظيم ؛ " فإن الله عز وجل قرن حق الوالدين بحقه في آيات كثيرة ، مثل قوله عز وجل : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36] ، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23] ، وقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وهذه الآيات تدل على وجوب برهما ، والإحسان إليهما ، وشكرهما على إحسانهما إلى الولد ، من حين وُجد في بطن أمه ، إلى أن استقل بنفسه وعرف مصالحه .

وبرهما يشمل الإنفاق عليهما عند الحاجة ، والسمع والطاعة لهما في المعروف ، وخفض الجناح لهما ، وعدم رفع الصوت عليهما ، ومخاطبتهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن ، كما قال الله عز وجل في سورة بني إسرائيل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/ 23، 24 .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : ( الصلاة على وقتها ) ، قيل : ثم أي ؟ قال : ( بر الوالدين ) ، قيل : ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله) " .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد ) . أخرجه الترمذي : 1821 ، وصححه ابن حبان ، والحاكم ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، ولفظ الطبراني ( في رضا الوالدين ) ، والأحاديث في وجوب برهما والإحسان إليهما كثيرة جدا .

وضد البر : هو العقوق لهما ، وذلك من أكبر الكبائر ؛ لما ثبت في الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟) - ثلاثاً – قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين )، وكان متكئاً فجلس ، فقال : ( ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ) رواه البخاري (2654) ، ومسلم ( 126 ).

وفي الصحيحين - أيضاً - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) ، قيل : يا رسول ، وهل يسب الرجل والديه ؟ قال : ( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه) رواه البخاري (5973) ، ومسلم (130) .

فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبّاً لهما ، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، ولا سيما عند الكبر والحاجة إلى العطف والبر والخدمة ، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل " . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 306 ، 307 ) .

ثانياً :

عليك أن تبدأ بتذكير أخيك بالله ، وأن تبين له نصوص الوعيد الواردة في من عقّ والديه، ومنزلة البر في الإسلام ؛ حتى تقوم عليه الحجة، وتبرأ ذمتكم أمام الله ، وليعلم أنه آثم بعمله القبيح مع والديه، وواقع فيما حرمه الله عليه.

واحرص على تنويع طرق توصيل النصيحة لأخيك ، فتارة بإسماعه شريطاً مؤثراً ، وتارة بإهدائه كتاباً نافعاً ميسرا عن هذا الأمر ، وعليك بتخويفه من عقاب الله له بمثل ذلك ، فيعقه أولاده ، كما عق هو والديه ، والجزاء من جنس العمل .

ثالثا :

ينبغي أن يعلم أن هجر العاصي والمبتدع إنما شرِع لحكمٍ عظيمة ، ومن أهمهما : تأديبه حتى يترك معصيته وبدعته ، وكذا شُرع تحذيرا لغيره أن يقع في المعصية أو البدعة .

فينبغي أن ينظر إلى المصلحة الشرعية التي يرجى من الهجر تحقيقها ؛ فإن كان يغلب على الظن حصول مثل تلك المصلحة ، من انتهاء المهجور عن منكره ، أو تقليله منه ، أو تأديبه عليه ، أو تنبيهه إلى عظم ما أتى به من المنكر ، أو تنبيه غيره إلى أن هذا منكر ، أو نحو ذلك من المقاصد الشرعية التي يرجى حصولها .

ومتى لم يُرجَ من الهجر حصول مصلحة شرعية راجحة ، لم يكن مشروعا ، ولا مندوبا إليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم ، وقلتهم وكثرتهم ؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله ، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة ، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخُفْيَتِه : كان مشروعا ، وإن كان : لا المهجورُ ، ولا غيرُه ، يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته : لم يشرع الهجر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 28 و / 206 ) .

وانظر للمزيد جواب السؤال رقم (93146)، (146828)، (89601).

والله أعلم.