عنوان الفتوى : التوبة من اليمين الغموس

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حلف رجل يميناً على قطعة أرض أنها له ولم تكن الأرض له، وقد راجع نفسه ويريد الآن أن يتوب فماذا يصنع؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على ر سول الله، وبعد..

فاليمين الغموس هي التي يتعمد فيها الحالف الكذب ليقتطع بها حقوق الناس، وهي من أكبر الكبائر، واليمين الغموس الراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس لها كفارة إلا التوبة الصادقة ورد الحقوق والمظالم لأصحابها.

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

إن هذه اليمين التي حلفها الرجل يمين محرمة، بل كبيرة من الكبائر والعياذ بالله، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس). رواه الإمام البخاري في صحيحه.

قال الحافظ ابن حجر:[اليمين الغموس .. قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار] فتح الباري 14/363 .

وفي رواية أخرى للحديث السابق قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين؟ قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس) قلت-أي أحد رواة الحديث لعامر الشعبي-: [ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذب] حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه 12/373 .

وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) فأنزل الله تصديق ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا .. ) إلى آخر الآية. فدخل الأشعث بن قيس فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا. قال: فيّ أنزلت، كان لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بينتك أو يمينه فقلت: إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان ) صحيح البخاري مع الفتح 14 / 367 .

ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم.

يقول الله سبحانه وتعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77 ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ليأكل حقوق الناس وهي:

1- لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله .

2- لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولا لطف .

3- يعرض الله عنه يوم القيامة فلا ينظر إليه بعين الرحمة .

4- لا يطهره من الأوزار والذنوب.

5- يعذبه عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي .

وقد ورد في أحاديث أخرى عقوبات غير ذلك منهاما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح .

وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : (لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال عليه الصلاة والسلام : وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح.

وعلى هذا الرجل الذي حلف كاذباً وأراد أن يتوب الآن أن يعيد الأرض لأصحابها وأن يندم على ما فعل وأن يكثر من فعل الخيرات ولا يوجد كفارة ليمينه الغموس وليس له سوى التوبة الصادقة على الراجح من أقوال أهل العلم، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال :( خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير الحق) رواه أحمد وإسناده جيد كما قال الشيخ الألباني.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذباً ليقتطعه.

وقال الإمام القرطبي معلقاً على قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ.. ) إلى آخر الآية :[ فلم يذكر كفارة فلو أوجبنا عليه كفارة لسقط جرمه ولقي الله وهو عنه راضٍ ولم يستحق الوعيد المتوعد عليه وكيف لا يكون ذلك وقد جمع هذا الحالف الكذب واستحلال مال الغير والاستخفاف باليمين بالله تعالى والتهاون بها وتعظيم الدنيا . فأهان ما عظمه الله وعظم ما حقره الله سبحانه وتعالى وحسبك ] تفسير القرطبي 6/268 .

والله أعلم.