عنوان الفتوى : الرؤية الشرعية في قراءة الفاتحة على روح النبي وأصحابه والتابعين
هناك مدن وبلدان بأكملها تقرأ الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم وروح أصحابه والتابعين وأموات المسلمين, وعلى نية استجابة الدعاء, والشفاء من الأمراض, وقبول العمل, وهناك أناس تكلموا بأن ثواب الفاتحة يصل إلى الميت - وهذا شأنهم – لكن: أليس في هذا الموضوع - أن تقرأ الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم - تعدٍّ على شخص النبي صلى الله عليه وسلم, وهو صاحب المقام المحمود؟ وبالنهاية: من أنا حتى أقرأ الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه؟ كيف يكون الرد عليهم؟شكرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فقراءة الفاتحة على روح النبي: إن كان المقصود منها إهداء ثوابها للنبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا غير مشروع, والنبي صلى الله عليه وسلم يصل إليه ثواب العمل تلقائيًا؛ لأنه هو الذي دلنا عليه, قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: أما إهداء ثواب العبادات إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن هذا أيضًا من البدع فإنه لا يشرع لنا أن نهدي شيئًا من ثواب العبادات إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك لم يعهد من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أشد منا حبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسرع منا إلى الخير, ومع ذلك فلم يُهد أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من العبادات, لا من قراءة القرآن, ولا من الذكر, ولا من الصلاة, ولا من الصدقة, ولا من الحج, ولا من العمرة, وأيضًا فإن إهداء ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من السفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حصل له أجر ما عمل الإنسان, فإنه هو الدال على الخير, ومن دل على خير فكفاعله, فلم يكن من إهداء ثواب القرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا حرمان الفاعل من أجر هذه العبادة, وعلى الإنسان أن يتمسك بهذه المسألة فإنه الخير كله، وكذلك يقال بالنسبة إلى إهداء القرب إلى الأقارب من الآباء والأمهات إنه ليس بسنة لكنه جائز, واختلف العلماء - رحمهم الله - في إهداء ثواب القرآن وغيره من العبادات البدنية المحضة هل يصل إلى الميت أو لا يصل.. اهــ .
وإهداء ثواب الفاتحة إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم يدخل في مسألة إهداء ثواب الأعمال الصالحة للميت هل تنفعه أم لا؟ قولان لأهل العلم, فمنهم: من قال بجواز إهداء العمل الصالح للميت, وأنه ينتفع بكل عمل صالح أهدي ثوابه إليه, وهذا المفتى به عندنا, كما بيناه في الفتوى رقم: 111133, ومنهم من ذهب إلى أن الميت لا ينتفع بثواب ما يهدى إليه, إلا ما نص عليه الشرع كالصدقة والحج والعمرة, وأما قراءة القرآن فلا, وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة فقد أفتت بأن: " قراءة القرآن، وهبة ثوابها للميت غير جائزة " اهــ, ومثله ما قاله الشيخ الفوزان - حفظه الله تعالى - حيث قال: الفاتحة من أعظم سور القرآن، بل هي أم القرآن، ولها فضل عظيم، ولكن قراءتها في مثل هذه الحال بأن تقرأ في بعض الأحوال للنبي، أو لغيره، أو لروح فلان، أو لروح الميت، هذا من البدع؛ لأنه لم يرد به دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم, قراءة الفاتحة عبادة، والعبادة لا بد لها من دليل ... اهــ .
هذا؛ ومن المعلوم أن كثيرًا من الناس لم يقتصروا على الصورة الجائزة, وهي عمل الطاعة بنية التقرب إلى الله, ثم دعاء الله بأن يهب ثوابها للميت, وإنما توسعوا في ذلك واتخذوا طرائق معينة لإهداء الثواب للميت, كقراءته في المقابر, أو بطريقة جماعية, أو بصوت واحد, أو تخصيص سور معينة دون غيرها من القرآن, أو استئجار قارئ لذلك, ونحو ذلك من الصور التي قد تخرج العمل من دائرة الجواز إلى دائرة الابتداع, فينبغي الحذر من ذلك.
والله تعالى أعلم.