عنوان الفتوى : هل يجوز للزوج أن يسكن رجلاً غريباً أو يستضيفه في بيت الزوجية ؟
هل يجوز شرعاً للزوج أن يُدخل بيته رجلاً أخر ليسكن معه تحت سقف واحد دون رضا زوجته ؟ هل موافقتها ضرورية في مثل هذا الشأن ؟ وما الأحكام المتعلقة بهذا الأمر ؟
الحمد لله
فيجب على الزوج أن يوفر لزوجته مسكناً خاصا يسترها عن عيون الناس ، ويحميها من البرد والحر، وتتمكن فيه من المحافظة على خصوصياتها دون أن ينغص عليها أحد في ذلك ، وليس للزوج أن يجبر زوجته على السكن مع أحد ؛ لأن في ذلك إضرار بها , ومصادرة لحقها في المسكن الخاص الذي كفلته لها الشريعة الغراء .
قال الكاساني رحمه الله :" ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك ؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد ؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة وإباؤها دليل الأذى والضرر , ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق , ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة , قالوا: إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر " .
انتهى من "بدائع الصنائع "( 4 / 23 ) .
وقد سبق بيان حق المرأة في المسكن المستقل وأقوال العلماء في ذلك فليراجع في الفتويين رقم: ( 142998 ), ( 167997 ).
وأما بخصوص سؤال السائل فالجواب فيه يختلف باختلاف طبيعة إقامة هذا الرجل في البيت :
فإن كانت إقامته مؤقتة على سبيل الضيافة مثلا , فهذا حق للزوج , وليس للزوجة أن تعترض على ذلك , طالما توفر لها مكان بالبيت تنام فيه وتأمن فيه على خصوصيتها دون أن يطلع الضيف على شيء من ذلك , فإن سكن المرأة مع أجنبي عنها جائز بشرطين:
الأول: أن يكون معها محرم أو زوج , والثاني: أن تتعدد الحجر ويتسع المكان بحيث لا يطلع الأجنبي على المرأة , جاء في " الغرر البهية في شرح البهجة الوردية " للشيخ زكريا الأنصاري (4 / 364) : " من هذا يعلم تباين مسألتي المساكنة والخلوة فإنه علم جواز خلوة الرجل بالأجنبية مع المحرم , وامتناع مساكنته إياها معه إلا عند تعدد الحجر أو اتساعها بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر " انتهى.
ومما يدل على جواز استضافة الرجل الضيف في بيته ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم: (2084) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ( فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ).
فدل هذا الحديث : أنه لا حرج على الرجل أن يكون قد أعد فراشاً لمن نزل ضيفاً عليه , جاء في " فيض القدير شرح الجامع الصغير "(4 / 424): " وأما فراش الضيف فيتعين للمضيف إعداده ؛ لأنه من إكرامه والقيام بحقه ؛ ولأنه لا يتأتى له شرط الاضطجاع ولا النوم معه وأهله على فراش واحد , ومقصود الحديث أن الرجل إذا أراد أن يتوسع في الفرش فغايته ثلاث والرابع لا يحتاجه فهو سرف " انتهى.
وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : ( 117957 ) أن الزوجة لا يحق لها الاعتراض على استضافة الزوج ضيفا في بيته ما لم يلحقها من ذلك ضرر مباشر.
وأما إن كانت إقامة هذا الرجل في البيت دائمة أو طويلة فيجوز للزوجة حينئذ أن تعترض على ذلك, ولا يجوز للزوج أن يجبرها على قبوله ؛ لأنها تتضرر بوجود أجنبي في البيت , كما أنه ينافي حقها في المسكن المستقل .
أما الأحكام المتعلقة بهذا الأمر فهو أن تجتنب الخلوة بين الضيف أو المقيم وبين الزوجة , وأن يلتزم غض البصر ونحو ذلك من الآداب الشرعية , ويراجع حكم الخلوة بالأجنبية في الفتوى رقم: ( 94019 ) .
وأما خدمة المرأة لضيوف زوجها فهي محل خلاف بين أهل العلم , فذهب المالكية ومن وافقهم إلى أنه لا يجب على الزوجة خدمة ضيوف زوجها حتى في الحالة التي يجب عليها خدمة زوجها.
جاء في "الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي" (2 / 511): " الزوجة إذا لم تكن أهلا للإخدام أو كانت أهلا ، والزوج فقير فعليها الخدمة الباطنة ولو غنية ذات قدر من عجن وكنس وفرش وطبخ له لا لضيوفه " انتهى بتصرف.
ويرى بعض أهل العلم وجوب خدمة الزوجة للضيوف بالمعروف ، قال العيني رحمه الله: " وفِيه: أَن الْوَلَد والأهل يلْزمهُم من خدمَة الضَّيْف مَا يلْزم صَاحب الْمنزل " انتهى من " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (5 / 101).
والراجح أن الزوجة تلزمها خدمة ضيوف زوجها بالمعروف , فقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله عن امرأة يطلب منها زوجها في بعض ليالي رمضان صنع الطعام لضيوفه وهي عندما تقوم بذلك تحس بإرهاق شديد ولا تتمكن من القيام تلك الليلة ، فهل يجب عليها طاعته في ذلك لو استمر الحال على ذلك أكثر ليالي رمضان؟ فقال : الواجب أن تعاشر المرأة زوجها بالمعروف ، وعلى الرجل أن يعاشر زوجته بالمعروف ، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )النساء/19 ، وليس من المعروف أن يرهق الرجل زوجته في خدمته في مثل هذا الوقت ، وعلى تلك الحال، ولكن إن صمم فاللائق بالمرأة أن تطيعه ، وإذا تعبت عن القيام وشق عليها فإن الله تعالى يكتب لها ما كانت تنويه وتريده ، لأنها إنما تركت ذلك لعذر لتقوم بما يجب عليها من طاعة الزوج فيما يلزم طاعته " انتهى.
والله أعلم.