عنوان الفتوى : جمع مالاً لعلاج والده ، فما حكم المال الزائد ؟
والدي مريض بالفشل الكلوي الكامل ويحتاج إلى زراعة كلى في الخارج ، وهذه الزراعة مكلفة جدا فقمت أنا بجهد شخصي مني بالبحث عن فاعلين خير من رجال أعمال وأمراء ليتكفلوا بتكاليف الزراعة والعلاج . سؤالي : هل يحق لي أن أخذ المال الزائد من العلاج ، خاصة إذا كان المبلغ كبيرا ، أم أن المال الزائد يرد لصاحبه ؟ وهل يعتبر هذا المال مال والدي ويحق لأخوتي وأخواتي بالتساوي ؟
الحمد لله.
أولاً :
نشكر لك سعيك في أمر علاج الوالد ، نسأل الله أن يكتب لك الأجر ، وأن يمنّ على أبيك بالشفاء العاجل ، وأن يجعل ما أصابه رِفعةً في درجاته ، وحطاً من سيئاته .
ثانياً :
الأموال الزائدة عن حاجة المريض ، يُرجع فيها إلى نية المتبرع ، فإن قصد المتبرع
بتبرعه الصدقة على المريض ، فالمال الزائد عن تكاليف العلاج يعتبر ملكاً للمريض ،
يتصرف فيه كما شاء .
أما لو قصد المتبرع من ذلك المال العلاج فقط ، أو كان ما دفعه للعلاج من زكاة
ماله ، ففي هذه الحال لا يجوز للمريض أن يأخذ المال الزائد ، بل يأخذ ما يكفيه ويرد
الزائد للمتبرع .
قال الدردير رحمه الله : " وإن أعانه جماعة أو واحد ، فأدى وفضلت فضلة أو عجز ، فإن لم يقصدوا بما أعانوه به الصدقة ، بأن قصدوا فك الرقبة أو لا قصد لهم رجعوا بالفضلة على العبد .. ، وإلا بأن قصدوا الصدقة على المكاتب فلا رجوع لهم بالفضلة " انتهى من " الشرح الكبير للدردير " .
وظاهر الحال يدل على قصد المتبرع ؛ فإن أعطاه حين عرض عليه حاله المذكور ، أو
بناء على طلبه المساعدة في غرض معين ، دل ذلك على أنه إنما قصد به دفع هذه الحاجة ،
وليست مساعدة مطلقة .
جاء في "أسنى المطالب" ، للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله (2/479) :
" (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ
اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً
لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ
(وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ
وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ
قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ
بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ." انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (126221) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين : رجل أخذ مالاً من أهل الخير يستعين به على الزواج
فزاد المال ، هل يرجعه لمن أعطاه أم يتصرف به على ما يعينه على أمور دينه ودنياه ؟
فأجاب رحمه الله : " يقول أهل العلم رحمهم الله : إن الصدقات تحل حتى للغني ،
فإذا كان الذين أعطوه من المال أعطوه على أنه صدقة ، فهو له يتصرف فيه كما يشاء ،
وإن كان الذي أعطوه من المال من الزكاة لهذا الغرض نفسه – أي : غرض الزواج - ، فإن
ما زاد يجب عليه أن يرده لهم ؛ لأنه غني عنه ، فإن احتاجه لشيء آخر كتأثيث البيت
مثلاً ، فليستأذن من هؤلاء . يقول : المهر وما يتعلق بالزواج انتهى وبقي معي فلوس ،
ولكني محتاج إلى أشياء أخرى ، فهل تسمحون أن أصرفها فيها ؟ فإذا قالوا : نعم ، فلا
بأس ، وإلا ردها عليهم .
والقاعدة عندنا في هذا : أن من أخذ من الناس أموالاً لشيء معين ، فإنه لا يصرفها في
غيره إلا بعد استئذانهم " انتهى من " اللقاء الشهري " .
فإذا تبين أن المتبرعين قد قصدوا الحاجة التي عرضتها عليهم : لم يكن لك صرف
المال الزائد في شيء من حاجات نفسك الأخرى ، أو حاجات أسرتك ؛ بل يستأذن صاحب المال
، متى كان ذلك ممكنا ، فإن تعذرت معرفته ، أو تعذر إذنه ، وضع في حال كالتي تبرع
لأجلها ، كما هو الحال في المال الموقوف لغرض معين .
وينظر جواب السؤال رقم (114651) .
والله أعلم .