عنوان الفتوى : الأولى ترك التسمي بـ " السلفية " إذا أدى الاسم إلى التشويه والنفور

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هناك نفوذ كبير في أستراليا ، وخاصة في مدينة سيدني ، لجماعة التبليغ والدعوة ، ويعتقد الناس أن كلمة سلفي سيئة جدا ، وإذا قلتها لبعض الناس يفرون من أمامك حال سماعها . فكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة ؟ يتبادل الناس التهنئة بالعيد بعد مضي أسبوعين عليه ، فهل يصح هذا ؟ حيث إن عيد الأضحى يوم واحد ، فماذا نفعل في مثل هذا الأمر ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى والتعامل مع الناس تعني أن تعرف المقامات والظروف ، وتجعل لكل مقام مقاله المناسب ، وتصرفه اللائق به ، كي يؤدي أفضل النتائج وأقومها سبيلا ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125.
والذي نراه – حسب ما ورد في سؤالك – أن الحكمة في مثل حالتك ترك الانتساب اللفظي إلى " السلفية " لأسباب موضوعية كثيرة ، منها :
أولا :
أن العبرة بالمضمون والمحتوى ، وليس بالأسماء والألفاظ ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)، فما دمت تقتدي بالسلف الصالح في اعتقادك وعملك وخلقك : فهذا كاف ، ولا يشترط أن تخبر عن نفسك أنك " سلفي " بصريح العبارة .
ثانيا :
الاكتفاء بوصف الإسلام أولى وأفضل ، فهو الاسم الذي سمانا الله عز وجل به ، فقد قال الله سبحانه : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج/78 ؛ وفيما سمانا الله عز وجل به : الكفاية والمقنع .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" عن ابن عباس في قوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) قال : اللهُ عز وجل . وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان . قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر . ( وفي هذا ) يعني : القرآن ، وكذا قال غيره . وهذا هو الصواب " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (5/ 456) .
وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نتسمى بما دعانا الله عز وجل به ، وننبذ كل دعوة أخرى يتعصب الناس فيها لوصف أخص من وصف " الإسلام " ، الذي يحمل في طياته جميع المعاني الشرعية التي يحبها الله من عباده ، فالأوصاف الخاصة لا تنفك عن تضييقٍ لمفهوم الإسلام الشامل الواسع ، وتأطير له ، والمسلم لا يرضى أن يختزل انتسابه إلى جميع مفردات هذا الدين العظيم ، بانتسابه إلى مفردات محدودة ضيقة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ : الْمُسْلِمِينَ ، الْمُؤْمِنِينَ ، عِبَادَ اللَّهِ ) رواه الترمذي (رقم/2863) وقال : حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقد قررنا هذا الكلام في جواب سابق برقم : (174627) وقلنا هناك إنه إذا احتيج إلى انتساب آخر داخل إطار " الإسلام " كالانتساب إلى أهل السنة مثلا ، فلا بأس ولا حرج . ولكن في حالة السائل فإن الانتساب الاسمي إلى " السلفية " لا حاجة إليه ، بل ربما كان فيه ضرر على الدعوة ، وتبليغ الكلمة ، فالأولى تركه حينئذ ، والاكتفاء بالاسم الجامع للمؤمنين .
ثالثا :
الانتساب الاسمي إلى " السلفية " ليس واجبا من واجبات الدين ، ولا ركنا من أركانه ، ومن ترك ذلك فلا إثم عليه ، بل لم يترك فضيلة أو سنة نبوية شريفة ، لذلك لا تثريب عليه ولا حرج ، وإذا كان العلماء قالوا : إن الأولى ترك المستحبات إذا كانت ستؤدي إلى نفور المدعوين ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خشية الفتنة على قلوب حديثي الإسلام ، فمن باب أولى أن يترك طالب العلم الانتساب إلى أسماء موهمة في بعض الزمان أو المكان .
رابعا :
هذا فضلا عن أن الانتساب الاسمي إلى " السلفية " شابَهُ الكثير من التشويه والتحريف ، واختلطت فيه بعض الممارسات الخاطئة ، والمعاني الباطلة ، حتى غدا هذا الاسم علما على جهات تكفيرية غالية ، وعلى جهات أخرى مقابلة لها في الغلو السلبي أيضا ، الأمر الذي لم يعد بالإمكان معه – في الوقت الحاضر - تغيير الصورة النمطية السلبية إلا بعد توقف الآلات الإعلامية الهائلة عن الضخ في اتجاه التشويه ، وبعد توقف كثير من هؤلاء المنتسبين إلى " السلفية " عن أعمالهم الجاهلة ، أو تمييز السلفية الحقة التي نقصد ، عن غيرها من التوجهات التي شملها ذلك الإطار العام للسلفية المعاصرة .
فمن كان في مثل البلاد التي تعيشون فيها ، فالأفضل لظرفه أن يترك كل ما يفرق الكلمة ، ويشتت الجمع ، ويسبب النفرة ، أو يجلب التهمة : من الأسماء والألفاظ والمظاهر غير الواجبة شرعا ، ويلتفت إلى المقاصد والمعاني .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" السلفية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا ، فاتباعهم هو السلفية ، وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ، ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق ، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي ، فلا شك أن هذا خلاف السلفية ... بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا : صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه ، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً ، كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام ، وهذا هو الذي يُنكر ، ولا يمكن إقراره .
فـالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ، ويضلل أفراده من سواهم : فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء .
وأما السلفية : اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) ؛ فهذه هي السلفية الحقة " انتهى باختصار من " لقاء الباب المفتوح " (57/ 15، بترقيم الشاملة آليا) .
والله أعلم .