عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة...)
السلام عليكم : أما بعد إني أسأل عن معنى الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة) ولكم كثير الشكر ونحن بإذن الله في انتظار الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول الله تعالى:وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً [المائدة:64]. هذه الآية إخبار عن كفر اليهود وقولهم الكذب على الله تعالى، ومعناها فيما قاله ابن عباس وجماعة من المتأولين "التبخيل" أي أن الله بخيل، -تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً، ولعن الله اليهود بجميع أصناف اللعن- وسبب قول اليهود لهذه الجملة فيما قال بعض أهل العلم هو أنه لحق اليهود قحط وجهد، فقالوا هذه العبارة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعة، وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى:وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:39]. فإنما المراد: لا تبخل.
وذكر الطبري والنقاش أن هذه الآية نزلت في منحاص اليهودي وأنه قالها، وقال الحسن بن أبي الحسن : قولهم"يد الله مغلولة" إنما يريدون عن عذابهم، وقال السدي: أرادوا بذلك أن يده مغلولة حتى يرد علينا ملكنا، قال ابن عطية فكأنهم عنوا أن قوته تعالى نقصت ولذلك غلبوا على ملكهم. وظاهر مذهب اليهود لعنهم الله في هذه زيادة على ما فيها من ذم الله أنهم مجسمون
وقوله تعالى"غلت أيديهم" أي في الآخرة. ويجوز أن يكون دعاء عليهم، وكذا لعنوا بما قالوا، وهكذا وقع لهم فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة ما ليس عند غيرهم من الأمم، وقوله تعالى"بل يداه مبسوطتان" أي بل هو الواسع الفضل الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه في ليلنا ونهارنا وحضرنا وسفرنا وفي جميع أحوالنا.
وقوله تعالى"وليزيدن كثيراً" معناه أن ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشياعهم، فكلما يزداد المؤمنون تصديقاً وعلماً نافعاً وعملا صالحاً يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الكفر والتكذيب.
وقوله"وألقينا بينهم العداوه" أي لا تجتمع قلوبهم بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم بعضاً دائماً.
ومعنى" كلما أوقدوا ناراً للحرب" أنهم كلما عقدوا أسباباً يكيدونك بها وكلما أبرموا أموراً يحاربونك بها أبطلها الله ورد كيدهم عليهم، وحاق مكرهم السيء بهم.
ومعنى "ويسعون في الأرض فساداً" أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته.
والله أعلم.