عنوان الفتوى : آذتْه وآذتْ أمه فطلقها ثم الآن يريد التزوج بها مع عدم رضا أمه فماذا يصنع ؟
مشكلتي تتمثل فيما يلي : طلَّق والدي أمي وأنا مازلت لم أخرج إلى الدنيا ، فاهتمت هي بشؤوني ليومنا هذا الذي أبلغ فيه من العمر 32 سنة ، كانت وما زالت تعمل وتكد من أجل أن توفر لي حياة كريمة ، فهي صاحبة فضل عليَّ لا يمكن إنكاره . منذ 4 سنوات تعرفتُ على بنت بقصد الزواج أعجبتني ، وأعجبت أمي ، وبقينا حوالي عاماً ثم تزوجنا ، كانت المفاجأة عندما اكتشفت منذ الأسبوع الأول أنها غير طبيعية في تصرفاتها وسرعان ما تطورت بها الحالة فأصبحت تتكلم بصوت مرتفع ، وتدخل في حالة هستيرية : تكسر الأثاث ، ترمي ما في يدها لا شعوريا ، معاندة كلما أقول لها: لا تفعلي كذا ، أو لا تذهبي إلى دار فلان من أقاربها ، تبكي وتصرخ ، آذتني وآذت أمي كثيراً ، طلبت الطلاق ، ترددتُ كثيراً وفي النهاية طلقتها وكانت في بداية حملها . بعد أشهر أنجبت ولداً وامتنعت عن إرضاعه فاضطررت لحضانته في اليوم الثالث بطلب منها وخلال هذه الفترة كانت تؤذينا بكلامها حيث قالت أشياء عنا غير صحيحة والله أعلم . وبعد 6 أشهر من عمر ابني حاولت مرات عديدة أن ترى ابنها ولكني منعتها ، فاتجهت للقضاء الذي سمح لها أن تراه بالمرافقة يوماً في الأسبوع . الآن ابني عمره سنتان ، وقلبي يتقطع ؛ لأنه سيعيش يتيما مثلي ، في أحد الأيام قررت الاتصال بطليقتي لعل صحتها تحسنت ، ولعل هناك أملا للصلح والصلح خير . سألتُها " هل تكرهينني ؟ " قالت : معاذ الله أنت أبو ولدي ، وسألتها عن حالتها النفسية قالت الآن شفيت طبعا هذا كلامها ، وسألتها عن رغبتها في الرجوع ففرحت وقالت : نعم أريد أن أعيش معك ، ولن ترى مني إلا الخير ، وسأكون لك زوجة صالحة . شعرت بفرحة شديدة ؛ لأن ولدي لن يعيش يتيما ، ولأني أحب زوجتي ، وبالتالي يتحقق مرادي وقلت في نفسي : أعطيها فرصة إن صلحت هذا ما أريد ، وإن بقيت على حالتها من مرض وعناد طلقتها . الفاجعة الكبرى عندما طرحت الموضوع على والدتي كان ما لم أتوقعه ، رفضت بشدة وقالت : إن أردت أن تتزوجها فلست ابني ، ولا تكلمني ولن أرضى عنك إلى يوم القيامة . حاول البعض التدخل والإصلاح لكن هي مصرة كل يوم أقول ستتفهم الأمر ، ويرق قلبها ، لكن بالعكس كل يوم تزداد حدة . وقالت : اختر هي أو أنا ولا سبيل لك غير ذلك ، ولن أغير رأيي مهما كان . قلت لها : اتركي لي الفرصة حتى أفكر قالت : لا ، يجب أن تقرر بسرعة . الآن أنا محتار هل أتزوج دون رضاها ؟ هل أطيع الوالدة على حساب ولدي وزوجتي ؟ ماذا أفعل ؟ أكاد أجن ، أعصابي متوترة ، حياتي جحيم .
الحمد لله
أولاً :
فإن الحياة كدرها غالب على صفوِها ومحنها غالبة على منحها فهي دار اختبار ومكان
امتحان ، قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
) البقرة/ 155 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي
عباده بالمحن ، ليتبين الصادق من الكاذب ، والجازع من الصابر ، وهذه سنته تعالى في
عباده ؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان ولم يحصل معها محنة لحصل الاختلاط الذي
هو فساد ، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر ، هذه فائدة المحن " انتهى
من " تفسير السعدي " ( ص 75 ) .
وجاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ
وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا
عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم
(1909) .
فعليك باحتساب الأجر واحتمال المصيبة واستحضار الثواب عند الله .
ثانياً :
لقد بذلتْ والدتُك جهداً مضنياً وتحملت المسؤولية العظيمة ، فتعاهدتْك بالتربية
والرعاية والعناية وبذلت الغالي والنفيس كي تصبح رجلا ، ولئن لم تفعل هي شيئا مما
ذكرتَ ، فإن الواجب عليك ـ أيضا ـ برها وطاعتها ، والسعي بكل جهدك وطاقتك
لاسترضائها ، وإدخال السرور عليها ؛ فكيف وقد سجّلت سِجلا حافلا شهد به لسانك ،
وظهر أثره عليك وما زلت تعيش في هذا الكنف.
ثالثاً :
لا تخش على ولدك من أن يكون بلا أم ترعاه فاليتم أحيانا للولد أو أن يعيش من غير أب
أو أم خير له من أن يعيش معهما في ظل أجواء مشحونة ومشكلات لا تنتهي ، وقد عاش
النبي صلى الله عليه وسلم يتيما ولم يعبه ذلك ولم يضره في شيء ، فضرر اليتم أقل من
ضرر سوء التربية ، فاستحضر هذا جيِّداً .
سادساً:
طاعة الوالدين مقدمة على طاعة غيرهما ، ورضاهما مقدم على رضى الناس جميعا ، ما دام
الأمر ليس فيه معصية للخالق جل وعلا ؛ والذي نراه أن ما فعلته مطلقتك معك ومع أمك ،
عذر واضح للوالدة في موقفها تجاهها ؛ وما تعد به هذه المرأة من الاستقامة معك على
ما تحب : أمر مظنون ، خاصة وأن الطبائع والأخلاق ليس من اليسير التحكم فيها
وتغييرها ؛ وأما موقف والدتك ، بهذه الصورة التي ذكرتها ، فيفيد أن خسارتك لها ، أو
على الأقل قطيعتك معها ـ إذا أرجعت طليقتك ـ أمر يقيني ؛ ولا ينبغي للعاقل أن يدخل
في مثل هذه المغامرة : يضيع شيئا موجودا لديه ، هو من أعز الأشياء وأغلاها عليه ؛
لقاء مصلحة متوهمة ؛ ومن يدري ؛ فلعل الخير قد كتبه الله عليك فيما جرى على لسان
أمك فالزم قدمها فثم الجنة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ
النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ : ( أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ
ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ) رواه مسلم ( 2548 ) .
فلا تجعل نفسك في حيرة واضطراب ، واعقد العزم على طاعة أمك ، فإن ءانست من زوجتك
رشدا ، فحاول إقناع والدتك بها لعلها ترجع ؛ ولعلك لو تركت الموضوع من غير إلحاح
بعض الوقت ، ورأت منك أمك السعي في إرضائها ، وعدم تقديم شيء على ذلك : لعلها أن
تلين وتراجع موقفها ذلك .
فإن لم تجد أملا في ذلك ، فاسع إلى زيجة أخرى ، تعف بها نفسك ، وتقطعك عن التطلع
إلى غيرها .
وننصحك بالدعاء المتواصل بأن يختار الله لك خير الطريقين وأسعد السبيلين .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |