عنوان الفتوى : القائلون بجواز الأخذ من اللحية وأدلتهم
لقد قلتم في فتواكم رقم: 14055، والتي أرجو أن تطلعوا عليها قبل إجابتي، والخلاصة: أن العلماء اختلفوا في إعفاء اللحية ما هو؟ فقال بعضهم: تركها من غير قص ولا تقصير حتى تطول، وقال بعضهم: حتى تكون كثيفة وتغطي ما تحتها من اللحيين، وإن لم تبلغ القبضة، وبناء على هذا الكلام لدي ثلاثة استفسارات:1ـ من هم العلماء ـ أي أسماؤهم ـ الذين قالوا هذا القول؟.2ـ أرجو أن توضحوا لي أدلتهم بالتفصيل وهل رأيهم هذا هو رأي قوي شرعا أو لا؟.3ـ بناء على هذا الرأي فالشخص الذي عنده لحية طولها 1 أو 2 ملليمتر يعني لحية خفيفة يعتبر ملتحيا وقد طبق الأمر الوارد في الأحاديث النبوية التي تأمر بإعفاء اللحية أو لا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بتحريم حلق اللحية هو رأي جماهير أهل العلم، بل نقل بعض العلماء الإجماع على حرمة ذلك، فقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلة لا تجوز.
وقال أبو الحسن ابن القطان المالكي: واتفقوا أن حلق اللحية مُثْلَة لا تجوز.
وأما عن قصها: فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى القول بجواز قص ما زاد على القبضة من اللحية، وعدم جواز قص ما دون ذلك، وقد روي قص ما زاد على القبضة من اللحية عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ كما نص عليه ابن أبي شيبة في المصنف، وقال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: وقد روى ابن القاسم عن مالك لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ، قيل لمالك فإذا طالت جداً قال أرى أن يؤخذ منها وتقص، وروي عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة.
وجاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم قال: قال في غاية البيان: اختلف الناس في إعفاء اللحى ما هو؟ فقال بعضهم: تركها تطول فذاك إعفاؤها من غير قص، وقال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكثَّ وتكثر والقص سنة فيها وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة قال: وبه نأخذ. اهـ.
وأما القول بالأخذ منها فيما دون القبضة فقد قال به جمع من العلماء، ومن أبرز من قال بذلك من المعاصرين فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوى، والمفتى به عندنا في الشبكة هو عدم جواز ذلك، لمخالفته لما تدل عليه ظواهر نصوص السنة الثابتة، وقد قدمنا ذلك في الفتويين التاليتين: 71215 // 123606.
ومن النصوص الثابتة في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين: وفروا اللحى وأحفوا الشوارب. رواه البخاري.
وفي رواية: أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى.
وفي رواية أخرى: خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى.
وقال العراقي في طرح التثريب: من خصال الفطرة إعفاء اللحية, وهو توفير شعرها وتكثيره وأنه لا يأخذ منه كالشارب، من عفا الشيء إذا كثر وزاد... وفي الصحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك: أعفوا اللحى ـ وفي رواية: أوفوا ـ وفي رواية وفروا، وفي رواية: أرخوا ـ وهي بالخاء المعجمة على المشهور، وقيل بالجيم من الترك, والتأخير وأصله الهمزة فحذف تخفيفا كقوله: ترجي من تشاء منهن ـ واستدل به الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها وأن لا يقطع منها شيء, وهو قول الشافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض: يكره حلقها وقصها وتحريقها، وقال القرطبي في المفهم لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها، قال القاضي عياض: وأما الأخذ من طولها فحسن، قال وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها وجزها قال، وقد اختلف السلف هل لذلك حد؟ فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة. انتهى.
وقال ابن حجر في شرح حديث البخاري: خالفوا المشركين وفروا اللحى: وذكر عن الطبري أنه قال: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها وعرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد.. ثم ساق سنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل... وذكر عن الحسن البصري أنه يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، واختار الطبري قول عطاء.. وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به.. ..وقال عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في تقصيرها، كذا قال، وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره... انتهى.
وقال الشوكاني في النيل: قوله: وأرخوا اللحى ـ قال النووي: هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير, قال القاضي عياض: وقع في رواية الأكثرين بالخاء المعجمة ووقع عند ابن ماهان أرجوا بالجيم قيل: وهو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت تخفيفا ومعناه أخروها واتركوها، قوله: وفروا اللحى ـ وهي إحدى الروايات، وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات أعفوا، وأوفوا، وأرخوا وأرجوا، ووفروا, ومعناها كلها تركها على حالها. اهـ.
وقال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: يحمل الإعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم ويؤيده ما في مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب واعفوا اللحى خالفوا المجوس ـ فهذه الجملة واقعة موقع التعليل، وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغرب ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد. انتهى.
والله أعلم.