عنوان الفتوى : الخلاف بين أهل العلم في أول المخلوقات مرجعه لفهم النصوص
هناك أحاديث تدل على أن الماء هو أول مخلوق، لكن هناك حديث ابن عباس: أول ماخلق الله من شيء القلم. فمستحيل أن نؤول هذا الحديث إلى أنه أول ما خلقه قال له اكتب لوجود كلمة شيء. وحكم صحة الحديث أولى بالصحة. فما جوابكم بارك الله فيكم فقد يؤدي إلى الإلحاد لأن فيه تناقضا بالنصوص. بارك الله فيكم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مدخل للإلحاد بسبب مثل هذه المسائل، فليس التناقض هنا بين نصوص القرآن والسنة الصحيحة، وإنما الخلاف في فهم النصوص، وكلام أهل العلم، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما، فأثر ابن عباس: "أول ما خلق الله من شيء القلم" موقوف وليس مرفوعا، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والآجري في الشريعة، وابن منده في التوحيد، والدولابي في الكنى والأسماء، والبيهقي في الكبرى وفي الأسماء والصفات، والضياء في المختارة. وقد اختلف قول ابن عباس في هذا.
قال الفسوي في (البدء والتاريخ): قد اختلفت الروايات عن ابن عبّاس رضي الله عنه، فروي عنه: أول ما خلق الله القلم. وروى عنه سعيد بن حبير: أول ما خلق الله العرش والكرسي. وروى: أول ما خلق الله النور والظلمة. وروينا خلاف ذلك كله عن الحسن أنه قال: أول ما خلق من شيء العقل. وروى عنه: أوّل ما خلق الله الأرواح. وفي رواية أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد قال: بدء الخلق العرش والماء والهواء وخلقت الأرض من الماء. اهـ.
والمقصود أن ننبه على أن الخلاف إنما هو بين أهل العلم وفي فهمهم للنصوص، لا بين النصوص نفسها. وقد روى البيهقي حديث عمران بن حصين مرفوعا: كان الله ولم يكن شيء غيره، وعرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض . ثم قال: رواه البخاري في الصحيح .. والمراد به ـ والله أعلم ـ ثم خلق الماء، وخلق العرش على الماء، وخلق القلم، وأمره فكتب في الذكر كل شيء. اهـ.
وظاهر هذا أن خلق الماء والعرش كان قبل خلق القلم، وهذا هو الذي يظهر لنا رجحانه. ويؤيده أن ابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما خلق الله القلم قال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة. قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. اهـ.
وهذه الرواية توضح أن الأولية المنسوبة للقلم إنما هي بالنسبة للأمر الذي صدر إليه بالكتابة عندما خلق. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 73629، 96928، 26672.
والله أعلم.