عنوان الفتوى : القضاء نوعان: قضاء مبرم وقضاء معلق
استفسار عما قال الإمام الطحاوي عليه رحمة الله: إذْ كان يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برَّت كذا وكذا، وإن لم تبر كذا وكذا، لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد منها كذا، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا، وإن لم تعمله رزقت كذا . قد يفهم من قول الإمام أن الله بجعله خيارين لمن يعمل ولمن لا يعمل عدم العلم بما سيعمله العبد وحاشى ربنا أنه لا يعلم ما سيكون في المستقبل. أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا . أرجو الرد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو السميع العليم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يحصل حدث في الكون إلا بعلمه وإذنه وهو خالق العباد وخالق أعمالهم، وهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون، لا يخفى عليه من ذلك صغيرة ولا كبيرة.
قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96}. وقال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14}
وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وقد علم ما الخلق عاملون بعلمه الموصوف به أزلاً وعلم جميع أحوالهم من الأرزاق والآجال، ثم كتب الله هذا التقدير التابع لعلمه في اللوح المحفوظ.
وقد ذكر أهل العلم أن القضاء نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير، وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر يفع فيه التغيير وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ* يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. [الرعد:38-39].
ومن أسباب التغيير في طول العمر بر الوالدين وصلة الرحم، والدعاء والصدقة كما في حديث الترمذي: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا : إن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل .
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.
والحديثان صححهما الألباني.
وقال شيخ الإسلام : إن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب... وهذا معنى ما روى عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ـ والله سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها، فلهذا قال العلماء: إن المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به، فلا محو فيه ولا إثبات، وأما اللوح المحفوظ: فهل فيه محو وإثبات؟ على قولين، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
وقال الحافظ في الفتح: إن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وإن الذي يجوز عليه التغير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل، ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة الموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو والإثبات كالزيادة في العمر والنقص. اهـ.
والله أعلم.