عنوان الفتوى : يعمل في مكتبة ويأتي النصارى لشراء مصاحف منه لإهدائها لمسلمين فهل لهم مسّها
نحن مكتبة إسلامية يدخل إلينا الذميون الذي يعيشون معنا ويشترون منا المصحف ، وطبعا يمسكونه لأنهم يهدونه إلى صديق أو أخ لهم مسلم ، بحكم أنهم في وطن واحد ، فما الحكم ؟ لأننا لا نستطيع أن نمنعهم ولا نبيع لهم ، لأن الأمر سوف يكون فتنة كما تعلمون ، وهذا الأمر متكرر ، وهم فعلا يقومون بإعطاء المصحف هدية لجاره أو ما شابه ذلك ؛ فما هو التصرف السليم الذي يتناسب مع ظروف البلد ، وسماحة الإسلام ؟ وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمحدث مس القرآن ، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر ؛ لما جاء في كتاب عمرو بن
حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه : ( ألا يمس القرآن إلا
طاهر ) رواه مالك (468) وابن حبان (793) والبيهقي (1/87) .
قال الحافظ ابن حجر : " وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث
الإسناد بل من حيث الشهرة ، فقال الشافعي في رسالته : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت
عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم
معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له
بالقبول والمعرفة " انتهى من "التلخيص الحبير" (4/17) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/158) .
والكافر جامع للحدثين ؛ إذ تصيبه الجنابة ، فلا يغتسل منها ، ولو اغتسل لم يصح غسله
، ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (38/ 19) :
" مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها :
يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع ,
ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة : أنّ أبا
حنيفة قال : إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع
مطلقاً .
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي : يمنع الكافر
من تجليد المصحف وتذهيبه " انتهى .
وفيها أيضا (37/ 282) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف ، لأن الكافر نجس فيجب تنزيه
المصحف عن مسه .
وخالف في ذلك محمد من أصحاب أبي حنيفة فقال : لا بأس أن يمس القرآن إذا اغتسل ؛ لأن
المانع هو الحدث وقد زال بالغسل ، وإنما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده
" انتهى .
وينظر : جواب السؤال رقم (100228)
ورقم (96646) .
ثانيا :
يجوز للكافر والمحدث مس التفسير ، وترجمة معاني القرآن ، أو المصحف المشتمل على
التفسير ، والترجمة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في
أن يمسه الكافر؛ لأن المترجم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن ، أي أن الترجمة
تفسير لمعاني القرآن ، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج ؛ لأنه ليس له
حكم القرآن ، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير،
أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم
والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى
الشيخ ابن باز" (24/ 340) .
وينظر : سؤال رقم (10694)
.
وعليه فإنه يمكن التلطف في منع الكافر من مس المصحف بمبادرته بالسؤال : هل أنت
متوضئ ؟ وذلك لإعلامه بأن المصحف لا يمسه إلا المتوضئ ، وإذا لم تكن أنت متوضئا
وحملت المصحف بقماش أو لبست قفازا مثلا لفتحه وتقليب أوراقه ، فهذا تصرف حسن يبين
حرمة القرآن ، ويزيل الشك من نفس النصراني ، فإننا نمنع المسلم غير المتوضئ من مس
المصحف ، كما نمنع غير المسلم .
فإن رغب في شرائه ، حملت المصحف ، وأريته إياه ، وأعطيته حائلا يضعه على يده إن
أراد أن ينظر فيه بنفسه ، ثم غلفته له بغلاف يصلح للإهداء .
ويجوز أن تعطيه ابتداء مصحفا بهامشه التفسير ، أو ترجمة المعاني ، فهذا لا يشترط
لمسه الطهارة كما سبق .
وينبغي أن تحرص على تغليفه ، ما دمت قد علمت أنه يريده للإهداء ؛ لتحول بينه وبين
مسه .
والله أعلم .