عنوان الفتوى : إبرار القسم بين الوجوب والترغيب
هل عليك أن تلتزم بأداء ما طلب منك إذا ما قال لك شخص ما "بالله عليك أن تجلب لي كذا وكذا ورأيت أنه كثير القسم حتى على الأمور الصغيرة وعلى أشياء ترى أنه ليس من الصالح فعلها؟أفيدونا جزاكم العلي القدير عنا كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إبرار القسم أمر مرغب فيه، ففي الحديث المتفق عليه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا: باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس. ونهانا عن: آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج، والقسي والإستبرق".
وأخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح إلا شيخه، وهو ثقة على كلام فيه قاله ابن حجر الهيتمي في (الزواجر) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجراً".
وفي سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة". وفي مسند أحمد وسنن أبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه".
وقد حمل جمهور العلماء الأمر بإبرار القسم على الندب، وكذا إجابة من سأل بالله.
وظاهر حديث البراء السابق يفيد وجوب إبرار القسم، لكن اقترانه بما هو متفق على عدم وجوبه كإفشاء السلام قرينة صارفة عن الوجوب.
ومما يدل على عدم الوجوب أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه رؤيا، فطلب أبو بكر رضي الله عنه أن يعبرها، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك: بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم".
قال الإمام النووي في شرح مسلم: هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار. ا.هـ
وقال الإمام ابن الحجر الهيتمي رحمه الله في (الزواجر عن اقتراف الكبائر) في الكبيرة الثامنة والتاسعة والثلاثين بعد المائة بعد أن ساق الأحاديث قال: لكن لم يأخذ بذلك أئمتنا، فجعلوا كلا من الأمرين مكروهاً ولم يقولوا بالحرمة فضلاً عن الكبيرة، ويمكن حمل الحديث في المنع على ما إذا كان لمضطر، وتكون حكمة التنصيص عليه أن منعه مع اضطراره، وسؤاله بالله أقبح وأفظع، وحمله في السؤال على ما إذا ألح وكرر السؤال بوجه الله حتى أضجر المسئول وأضره، وحينئذ فاللعن على هذين.
وانظر الفتوى رقم: 8973، والفتوى رقم: 6869.
والله أعلم.