عنوان الفتوى : حكم صلاة من سبق الإمام في أفعال الصلاة
إمامنا بعض الأحيان يقول: الله أكبر بعد السجود الثاني في الركعة الأولى وينتهي من قولها تعبيراً عن أنه استقام في صلاته وقيامه لنقوم، ولكن ما إن أقوم وهو يكون ما زال يقوم من سجدته ، فأقوم قبله وأسبقه، وأحياناً أقوم وأراه لم يقم بعد ، فأنتظر قليلاً حتى يقوم فأقوم ، لأنني أريد إدراك الجماعة هل هذا صحيح ؟ وهل فعله صحيح ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فإن كنت تعني أن إمامكم يكبر للقيام عند أول قيامه من السجود فإن هذا هو المشروع، ولكن يستحب له أن ينتهي من التكبير عند اعتداله. قال ابن قدامة في المغني : " إذَا قَضَى سُجُودَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ، وَجَلَسَ ، وَاعْتَدَلَ ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ " اهـ .
وقال أيضا : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ ، وَانْتِهَاؤُهُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا ، لِيَكُونَ مُسْتَوْعِبًا بِالتَّكْبِيرِ جَمِيعَ الرُّكْنِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ اهــ
ولو أسرع في قولها ولم يستوعب بها جميع القيام فإنه لا يجوز لك أن تسبقه بالقيام بل الواجب أن تقوم بعده، ومن سبقه عامدا عالما بالتحريم ففي صحة صلاته خلاف بين الفقهاء، قال ابن قدامة في المغني :
فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ إمَامَهُ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ ؛ وَلَا بِالْقِيَامِ ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِذَلِكَ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا رَفَعَ أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ ، وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ ، فَلْيَسْجُدْ ، وَإِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ بِرَأْسِهِ فَلْيَمْكُثْ قَدْرَ مَا رَفَعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الْإِمَامُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبْقٌ يَسِيرٌ . وَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ : لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ } .وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ لَرَجَا لَهُ الثَّوَابَ ، وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ ، فَقَالَ : لَا وَحْدَك صَلَّيْتَ ، وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْتَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكْنِ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ . قَالَ الْقَاضِي : عِنْدِي أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ ، فَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. اهــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أَمَّا مُسَابَقَةُ الْإِمَامِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَلَا يَرْفَعَ قَبْلَهُ وَلَا يَسْجُدَ قَبْلَهُ . وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ... وَإِذَا سَبَقَ الْإِمَامَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامَ .... وَأَمَّا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ عَمْدًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . اهــ
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى القول ببطلانها فقال في شرح الزاد " ومَن رَفَعَ مِن السجودِ أو مِن الرُّكوعِ قبلَ إمامِهِ فالحكمُ واحدٌ، فإذا رَفَعَ قبلَ رَفْعِ إمامِهِ مِن الرُّكوعِ عالماً عمداً فصلاتُهُ باطلةٌ، وإذا رَفَعَ مِن السُّجودِ كذلك فصلاته باطلَةٌ على القولِ الصحيح " اهـ مختصرا.
والمفتى به عندنا هو صحة الصلاة مع الإثم. وانظر الفتوى رقم: 154047، والفتوى رقم: 32257.
ولم نفهم مرادك بقولك " لأنني أريد إدراك الجماعة " !! فما دمت تصلي مع الإمام فأنت في جماعة، فأي جماعة تريد أن تدركها بمسابقة الإمام. والخلاصة أنه يحرم عليك أن تقوم قبل الإمام .
والله تعالى أعلم.