عنوان الفتوى : الفضل إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق
تم الاتفاق مع أحد التجار في إحدى البلاد العربية على إنشاء شركة تعمل بالسعودية بنفس مجال عمله بالمناصفة، علما بأنه تم دفع ثلثي رأس المال 60 ألف ريال باتفاق الطرفين، كما تم الاتفاق أن يبيع ويورد الطرف الأول بضاعة 100 ألف ريال للشركة بنسبة ربح قليلة بما أن لديه خبرة في نفس المجال، وأن يأخذ الطرف الثاني بدل إدارته المذكورة نسبة 10% من صافي الأرباح على أن لا تقل عن 2500 ريال شهريا كحد أدنى، وكان العقد مدته 5 شهور، وينتهي 31/12/2006 علما بأنها حوالي 25% أقل ما استحق وقبلت بها بشكل رمزي حتى تقوى الشركة، ومن الصعب أن آخذ راتبا كبيرا على رأس مال صغير وهو يعرف ذلك جيدا، ومع وجود صفاء نية من الطرفين وأمل في الربح، ولم نلتفت إلى العقد المبرم فقد باع الطرف الأول الشركة بضاعة خمسة أضعاف مما اتفقنا عليه، وكنت أسحب مصروفات شهرية فوق 2500 بضعفين لسداد احتياجاتي وهذا سبب صمتي واعتبرته جميلا، وكنت أرى أنه من واجبي الصمت حتى أرد له الجميل وتنجح الشركة، ولأنها فترة تأسيس ذات مصاريف عالية فقد كانت قاسية خسرنا رأس مالنا من السنة الأولى، وبعضا من مال الموردين، ولصعوبة تصريف بعض البضائع لعدم تطابقها مع السوق المحلي، وقله رأس المال والسيولة، وقلة اهتمام الشريك، وكنت أظن بما أنه صاحب خبرة فإنه سوف يوفر علي الوقت في النجاح، ولم أدرك كيف يمكن أن يكون سخيا بتوريد البضاعة بخيلا بالمعلومة، ما جعلني لا أجد لنفسي إلا لأتعلم من السوق وأبحث عن مصادر أخرى للتوريد والتمويل لأجل وبدون فائدة، والاقتراض والسفر لشراء البضائع والسداد لصالح الشركة. والحمد لله فقد أصبحت الشركة بعدها تحقق أرباحا، ولكن للأسف ليكون تغطية لفترة الخسارة، والآن وبعد خمس سنوات من انتهاء العقد وقفنا لرؤية ما حولنا ووجد عدم نجاحنا هو فقط عدم وجود رأس مال عامل، فقررنا التصفية، فالشركة لها سمعتها وكيانها وعملاؤها وهي مدينة، ومال لها كما وما عليه، وبما أن شريكي من أكبر موردي البضاعة لها فهو يرى أنني قد جمدت ماله طيلة الفترة الماضية ومن حقه أن يستحوذ على الشركه باعتبارها خاسرة بطريقة بيع الأصول مع إنكار ثمرة الكيان للشركة، وإنكار الجهد المبذول واسترداد ماله كمورد ومطالبتي بالمسحوبات من الشركه التي تفوق 2500 ريال طلية الخمس سنوات والتي تقدر بحوالى 350 ألف ريال، ويعتبرها دينا في ذمتي، ويعتبر ذلك من حقه والمسلمون عند شروطهم، والعقد شروطه سارية ما دمنا نعمل والشركة قائمة. ويريد فسخ الشراكة وتسليمه الشركة والمال ثم اللجوء إلى التحكيم. وفي حال استحواذه على الشركه فهو يعرض علي العمل كموظف إداري براتب 10000 ريال في الشركة الجديدة، مع عمولة يتفق عليها لاحقا، وإني أرى أنه من الغبن أن أتقاضى راتبا بخسا وفيه ظلم وعمل بالسخرة بغض النظر عن صلاحية العقد. فكيف إن كان العقد منته أصلا و غير ملزم، والمسلمون عند شروطهم تشمل شرط الانتهاء، والفترة السابقة تحتاج إلى تقييم وتحكيم وإنه قد ظلمني بسخائه في توريد البضاعة التي كانت عائقا أمام رأس مال ضعيف وعدم الاكتراث للدعم بالخبرة هو سبب من أسباب الفشل في البداية، ولم أعلم أن البضاعة الموردة بمثابة رأس مال ليضمن عدم الخسارة، و في جعل ماله كبائع للشركة ثابت لا يخسر وكأنها بطريقة ما عوضا بدل النقد بطريقة أخرى، وأن من راهنت بالعمل كالمضارب، وأرى أيضا أنه من حقي البحث عن مصدر تمويل آخر وإعطائي مهلة لتمكنني من رد ماله المورد أو البحث عن شريك آخر حتى استمر في العمل الذي بنيته بجهدي، وأن يتم فسخ الشراكة وعدم تسليمه الشركة والمال إلا بعد اللجوء إلى التحكيم. ونحن الآن بصدد فسخ الشراكة حتى لا تضيع الحقوق وتثبيتها كجرد البضاعة وتقييم الأصوال، وتحديد ما في الصندوق وبتأجيل تسليم مال الموردين واللجوء إلى التحكيم بيننا. وكيف لنا أن نطبق (ولاتنسوا الفضل بينكم).وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الاتفاق قد حصل بينكما على المشاركة في رأس المال، وأن يقوم الطرف الثاني بالعمل وإدارة الشركة، كما جاء في البند الثاني من بنود العقد، فهذه الشركة تكون بذلك نوعا من المضاربة.
قال ابن قدامة في (المغني): القسم الرابع أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة، وهو صحيح. اهـ.
وقال أيضا: أما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما .. فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز. اهـ.
وقال الزركشي في شرح مختصر الخرقي: هذا يجمع شركة ومضاربة، فمن حيث إن من كل واحد منهما المال، يشبه شركة العنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه بجزء من الربح هو مضاربة. اهـ.
وهذا العقد قد جاء في بنوده ما يفسده، فالبند الرابع ينص على أن: (يتقاضى الفريق الثاني بدل إدارته المذكورة نسبه 10% من صافي الأرباح على أن لا تقل عن 2500 ريال سعودي كحد أدنى بشكل شهري). وهذا لا يصح؛ لأنه لا يجوز في المضاربة أن تكون على مبلغ محدد مع نسبة شائعة أو بدونها.
جاء في المغني: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم، وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 129142، 58979، 95390.
ومتى حكمنا بفساد هذا العقد، فالواجب فسخه ولكل من الشريكين ما يستحقه من الربح أو ما يتحمله من الخسارة، وذلك على قدر رأس المال. وعلى كل منهما لشريكه أجرة عمله إن كان عمِل في الشركة. وراجع في ذلك الفتويين: 103598، 70128.
وعلى ذلك، فينبغي حساب أجرة المثل بالنسبة لصاحب السؤال الذي هو الطرف الثاني في العقد والمسؤول عن العمل، ثم مقاصة ذلك مع المبلغ المأخوذ بالفعل (350 ألف ريال) ليأخذ الباقي أو يرد الفاضل.
وأما السؤال عن كيفة تطبيق (ولا تنسوا الفضل بينكم) فهذا إنما يكون بسعي كل من الطرفين في بذل ما لا يجب عليه بذله، وترك ما يجب له من الحقوق. وذلك مضمون قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. [البقرة: 237].
قال الراغب الأصفهاني: قوله: {وَأَنْ تَعْفُوا} ـ وإن كان بالقصد الأول حثاً للزوجين على التسامح ـ خطاب عام لهما ولكافة الناس، وحث لهما على استعمال العفو وترك التشرد، وإن بعض ما وجب لك أقرب إلى الهوى، ثم قال: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} أعم من العفو، لأنه يتناول ترك ما وجب لك، وإعطاء ما لا يلزمك، ولهذا قيل: " الفضل فوق العدل ". وقيل: " الكرم في الفضل لا في العدل ". ولما حث فيما تقدم على استعمال العدالة، نبه بقوله: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} أي: لا تتركوا الفضل مقتصرين على تحري العدالة. اهـ.
وقال السعدي: معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس. فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم. اهـ.
والله أعلم.