عنوان الفتوى : يحرم على الطبيب مساعدة المريض على إنهاء حياته، المسمى ب(القتل الرحيم )
ما هو رأي الإسلام في ما يلي: قيام بعض الأطباء بمساعدة المرضى على إنهاء حياتهم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فما يقوم به بعض الأطباء من مساعدة المرضى على إنهاء حياتهم أو ما يسمونه بالقتل الرحيم هو أمر مخالف لتعاليم الإسلام، لأنه قتل للنفس التي حرم الله.
والحامل على ذلك هو اليأس من الشفاء وهو قنوط من رحمة الله تعالى، قال تعالى: (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [الحجر: 56]. وقال تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف: 87].
بل لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به، فكيف أن يقتل نفسه، أو يساعد على ذلك، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".
وكون الإنسان يصاب بالضرر الشاق لا يعد مبرراً للسعي في قتل نفسه، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: "هذا من أهل النار"، فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله! الرجل الذي قلت له آنفا: "إنه من أهل النار" فإنه قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلى النار" فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله".
وفي الصحيحين عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: "بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة".
قال ابن حجر في الفتح: وفي الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أم غيره، وقتل الغير يؤخذ تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى. وفيه الوقوف عند حقوق الله، ورحمته بخلقه حيث حرم عليهم قتل نفوسهم، وأن الأنفس ملك الله.. وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس. انتهى.
والمؤمن يعلم أن المرض الذي أصابه وإن كان مزمنا لا يرجى زواله إنما هو ابتلاء من الله تعالى يكفر الله به من خطاياه. قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه". متفق عليه. وللترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة" [رواه الترمذي وقال حسن صحيح]. وأجمع أهل العلم أن من طلب من شخص أن يقتله لا يجوز له الإقدام على ذلك وإن فعل كان قتل عمد. والمرء الذي أقدم على هذا الطلب يخشى أن يكون قلبه قد عري من الإيمان بالله تعالى. قال عز من قائل: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ومن يدري؟ فلعل ما يعجز عنه الطبيب يكون شفاؤه من عند الله بلا سبب، أو بسبب له دواء لا يعلمه المريض أو الطبيب المعالج ، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من داء إلا أنزل الله له دواء علمه من علمه وجهله من جهله" [أخرجه النسائي] ولمسلم عن جابر يرفعه: "ما من داء إلا وله دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله".
والله أعلم