عنوان الفتوى : لا تُترك الطاعة خوفا من الرياء
أنا فتاة في 18 من عمري نويت أن أحفظ كتاب الله ولله الحمد، والآن حفظت سورة البقرة وآل عمران ولكن المشكلة أنني كثيرة التعمق في مسألة الرياء، لأنني قرأت الكثير عنها فعندما أحس أن عملا فيه مقدار حبة من خردل رياء أتوقف بسرعة وأراجع نفسي لدرجة أنني اتفقت مع أبي أن يكون ذهابنا للحج ـ بإذن الله تبارك وتعالى ـ من دون أن يعلم به أحد ليكون عملا خالصا لوجه المولى جلا في علاه وأحس أنني عندما أحفظ أفكر أنني عندما أختم القرءان ـ بإذن الله ـ سيفخر به أبي وعمي وأتوقف لأنني أقول لنفسي ممن تريدين المدح والأجر؟ أمنهم أم من الله؟ حتى إنني أستغرب أنني لا أفكر في أجر الله وهكذا استمرت الحال معي فدلوني ماذا أفعل؟ وأسأل الله لكم الصحة والعافية والأجر العظيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الخوف من الرياء أمر محمود وهو من صفات المؤمنين، لأن الرياء نوع من الشرك ومحبط للعمل وموجب لسخط الله تبارك وتعالى، وقد خافه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته فقَالَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً. رواه أحمد.
كما أن تعاهد النفس في الإخلاص ومحاسبتها على النية وتصحيح مسارها قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل كل هذا أمر مطلوب ومن دأب السلف الصالح, وقد سئل سهل بن عبد الله التستري: أي شيء أشد على النفس؟ فقال الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي، إنها تتقلب علي.
وقال نعيم بن حماد: ضرب السياط أهون علينا من النية الصالحة.
وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على ألوان أخر.
ولكن الخوف من الرياء لم يحملهم على ترك الطاعات والانقطاع عن العبادة فلا ينبغي أن يترك المسلم الطاعة وينقطع عنها خوفا من الرياء وعليه المجاهدة لتصحيح النية لا أن يترك العمل, والذي نوصي به أختنا السائلة هو الاستمرار على ما هي عليه من الخير وحفظ القرآن وطلب ثواب ذلك من الله تعالى ومراقبة القلب وتعاهده في نيته بين الفينة والأخرى وتصحيح مسارها إن أحست بانحرافها عن الإخلاص وكثرة الاستغفار وهكذا حال المؤمن لا يزال مجاهدا لنيته على الإخلاص حتى يلقى ربه وهو على تلك المجاهدة والمصابرة, ونسأل الله أن يعيننا على الإخلاص له وأن يعيذنا من الرياء, وانظري الفتوى رقم: 138811.
والله أعلم.