أرشيف المقالات

المرأة في رمضان

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها الإخوة والأخوات: ليس أفراح رمضان ومباهجه خاصة بالرجال، بل للنساء من ذلك أوفر الحظ والنصيب، فالنساء شقائق الرجال، وتنعم المرأة وتغنم من غنائم هذا الشهر ما شاءت، وتكون سبَّاقة بقدر جدها واجتهادها، فهذا الموسم الكريم ميدان للعمل والتسابق؛ فأين العاملات، وأين المسابقات؟!


لقد سبقن نسوة كريمات آلافاً من الرجال، منهن آسية بنت مزاحم، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وعائشة بنت الصدِّيق، وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن -، فلماذا لا تطمح المرأة في زماننا أن تكون كواحدة من هؤلاء في إيمانها الصادق، وحسن عملها، ومسارعتها للخيرات؟! وذلك ليس بعسير إذا صدقت المرأة المسلمة، وتسلَّحت بالعلم والهدى، وكانت على مستوى عالٍ من الهم والاهتمام.


وحديثنا عن "المرأة في رمضان" سيكون حول عدة مسائل:

الأولى: أن النساء شقائق الرجال، فيجب عليهن الصوم كما قد وجبت الصلاة، والزكاة، والحج، وكل ما ورد للرجال فهو للنساء إلا ما خصصه الدليل.

الثانية: تؤمر المرأة بالصوم إذا حاضت، وهو علامة من علامات البلوغ عند النساء، إضافة لبلوغ خمس عشرة سنة، أو الإنبات، أو الاحتلام، فهذه علامات البلوغ الثلاث، وتزيد المرأة بالحيض والنفاس، وقد تحيض المرأة وهي صغيرة كتسع سنوات ونحو ذلك فيجب عليها الصوم حينئذ، وعلى أمها ومن يرعاها الانتباه لذلك.

الثالثة: توصى المرأة المسلمة بالاجتهاد في هذا الشهر بالصلاة والقراءة، والصدقة والإحسان، وكل أعمال البر، والتقلل من الأشغال والعوائق، فهذا الشهر شهر العمل والمنافسة، وهو فرصة للمرأة التي قد شغلت نفسها قبل رمضان بأمور الدنيا أن تعوض ما فات، وتصلح ما سبق.

الرابعة: بالنسبة لحبوب منع الحيض التي قد تلجأ بعض الأخوات لاستعمالها في هذه المواسم الكريمة لكي تصيب الخير كله فما حكم ذلك؟!
الذي يبدو - والله أعلم - أنه لا حرج في استعمالها عن طريق الأطباء الحذاق، وقد جوز الإمام أحمد ذلك، وكذلك ابن تيمية - رحمة الله عليهما - أعني أنهما رخَّصا للمرأة أن تستعمل أمراً يمنع الحيض، لكن لو صبرت المرأة وتركت ذلك كله فهو خير لها؛ لأن دم الحيض دم جبلَّة وطبيعة كتبه الله على بنات آدم، فتركه على طبيعته خير للمرأة.

الخامسة: ينصرف الكثير من النساء للعمل في الطبخ وغيره خلال رمضان، وتجهد نفسها، وربما كان ذلك بتكليف من زوجها أو وليها، فتذهب الساعات وهي في المطبخ، وربما لا تخرج منه إلا مع الغروب، فتخرج وقد انهدت وتعبت، ولا يجوز أن تعيش شهرها كله في الطبخ والشغل، بل يأثم زوجها إذا تعمد حرمانها من لذة العبادة في هذا الشهر، وليكن العمل باعتدال دون مبالغة أو إسراف، وليتق الله الآباء والأزواج، وليكونوا منبع حنان ورأفة بأولئك النساء المظلومات، ويحرصوا على انتفاعهن بهذا الشهر.

السادسة: يُستحب للنساء شهود التراويح إذا أردن ذلك، فقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله في بعض الليالي، وشهود المرأة للتراويح أنشط لها، وأرغب في الطاعة، وكانت نساء السلف يخرجن في زمن عمر وبعده للتراويح، وكن يجعلن لهن إماماً خاصاً بهن، ولكن إذا خرجت المرأة فلتكن مثالاً للمرأة الصالحة المتحلية بالحجاب، المتقلدة بالحشمة، البعيدة عن أسباب الفتنة من طيب وزينة وبخور، فإن ذلك يذهب عنها سيما الصالحات العفيفات.

 
ولتشهدنْ نساؤنا القيامَ *** أعني التراويح ولا ملاما
لأنها سنة ذا المختــارِ *** ومسلك الصحابة الخيارِ
ويأتين المسجد بالحجابِ *** بلا تزيـنٍ ولا ارتيابِ
  السابعة: وقت المرأة في رمضان ثمين؛ لذا عليها استغراقه في الطاعات كقراءة القرآن، ولتحذر كثرة المجالس اللاغية القاتلة للوقت، التي تشتغل فيها المرأة بالغيبة والنميمة وقول الزور؛ فإن ذلك كله ينافي تدين المرأة الصادقة، ووقارها وخشوعها.

الثامنة: يجوز للمرأة المسلمة في رمضان - وقد بُليت بالطبخ - أن تطعم الطعام لتعرف ملوحته من حلاوته؛ كما أفتى بذلك الصحابي الجليل عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - كما في صحيح البخاري معلقاً بصيغة الجزم 1.
نسأل الله أن يوفق جميع نساء المسلمين لطاعته، وأن يجنبهن معصيته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


________________________________________
1 تم الاستفادة في هذا الموضوع من كتاب "عشرون درساً للصائمين" (23-25).

 

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢