عنوان الفتوى : ليس من الأدب نسبة الشر و الضر إلى الله
ما حكم قول هذه العبارات و هل بها سوء أدب مع الله أو سوء ظن به ؟ *يارب لاتضر أحدا. *طوبى لمن لا يتوقّع شيئاً، فلن يخيب أمله أبداًوهل في العبارة الثانية تحريف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا. وشكراًِ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن أهل العلم قد ذكروا أنه ليس من الأدب نسبة الشر والضر إلى الله وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده.
ويستدلون بمثل قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. [الشعراء:80]، وبمثل قول الله تعالى حكاية عن أيوب : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}.
وبمثل قول الجن كما في سورة الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً. [الجـن:10]، فنبي الله إبراهيم لم يقل وإذا أمرضني، والجن لما ذكروا الشر ذكروه بالفعل المبني للمجهول، ولما ذكروا الخير أضافوه إلى ربهم وهذا من أدبهم، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالدعاء المأثور في قيام الليل ومنه: "والشر ليس إليك". وقال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء: 79}.
قال السعدي: { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } أي: في الدين والدنيا { فَمِنَ اللَّهِ } هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ } في الدين والدنيا { فَمِنْ نَفْسِكَ } أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. اهـ.
فكل الأمور السيئة كما يقول ابن القيم: قدرها الله سبحانه وقضاها لحكمته، وهي باعتبار تلك الحكمة نوع من إحسانه، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءاً قط، بل فعله كله حسن وخير وحكمة، كما قال تعالى: بيدك الخير. وقال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم: والشر ليس إليك، فهو لا يخلق شراً محضاً من كل وجه، بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة، وإن كان في بعضه شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه وليس إليه. انتهى من شفاء العليل.
ثم إن الدعاء بعدم حصول الضر لأحد من الناس أبدا يظهر أنه من الاعتداء في الدعاء؛ لأنه طلب ما هو جار على خلاف هذه السنن الكونية، فالله تعالى قد أجرى أمور الخلق في هذا الكون على سنن كونية ثابتة، ومنها ابتلاء بعضهم أحيانا وعقاب بعضهم على عصيانه فلا ينبغي أن يسأل الله تعالى على خلاف ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل العبد مالم يكن الرب ليفعله، مثل أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، والمغفرة للمشركين ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية الله كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان. انتهى.
وقال أيضا : فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية، من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولداً من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله. اهـ.
و أما العبارة الثانية فليس فيها تحريف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا. اذ غاية ما في الأمر أنه استعمل كلمة طوبي وهي عبارة يكثر استخدامها في كلام الناس وقد استخدمها العلماء دون نكير .
والله أعلم.