عنوان الفتوى : لم يثبت دليل صحيح صريح أن الملائكة تنفر من الحائض
ما مدى صحة قول من قال إن الملائكة تنفر من الحائض؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد في السنة المشرفة ما يفيد كراهة الملائكة للمرأة الحائض، والمعلوم أن الملائكة يحبون المؤمنين من عباد الله ويوالونهم ويستغفرون لهم كما قال تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا {غار:7}.
وسواء في ذلك الحائض وغيرها، لكن بعض العلماء استنبط من الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب أن الحائض مثل الجنب في منع دخول الملائكة البيت، ولذا كرهوا لها أن تحضر المحتضر، قال في مغني المحتاج: وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَحْضُرَ الْمُحْتَضَرَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، لِمَا وَرَدَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ ـ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ وَالصُّورَةَ وَغَيْرَ الْحَائِضِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِثْلُهَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ بِلَا يَجُوزُ بَدَلُ يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ. انتهى.
وزيادة الجنب في هذا الحديث قد ضعفها الألباني، وعلى فرض ثبوتها فإن كثيرا من العلماء حملوا هذا على الجنب المفرط بترك الاغتسال كما ذكره الخطابي وغيره، ومن ثم يكون في هذا الاستدلال نظر، لأن الحائض لا تستطيع رفع حيضها فليست مفرطة والعلم عند الله تعالى، قال الجلال السيوطي في حاشيته على النسائي: وقال الشيخ ولي الدين العراقي: وأما امتناعهم من دخول البيت الَّذِي فِيهِ جُنُبٌ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ، لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّرُ الِاغْتِسَالَ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْجُنُبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَتْرُكُ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ عَادَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَوْقَاتِهِ جُنُبًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ دِينِهِ وَخُبْثِ بَاطِنِهِ. انتهى.
والله أعلم.