عنوان الفتوى : ليس كل من خاطبته الملائكة يكون نبيا
من الملك الذي نزل على السيدة مريم؟ هل هو جبريل عليه السلام أم لا نعلم تحديدا من هو؟ وهل تكون بذلك نبية، لأن جبريل عليه السلام ينزل على الأنبياء فقط؟ وماذا عن السيدة سارة ـ أم إسحاق ـ عندما بشرتها الملائكة؟ وهل كانت الملائكة حينها في صورة البشر؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملك الذي نزل على السيدة مريم هو جبريل عليه السلام وهو الروح الأمين، وقد قال الله تعالى في شأنه: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا {مريم: 17-19}
ولا يلزم من ذلك نبوتها، لأنه ليس كل من كلمه جبريل أو خاطبته الملائكة يعد نبيا، فقد كلمت الملائكة غير الأنبياء، ففي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ.
وكذلك إرسال الله الملك إلى كلٍ من الأعمى والأبرص والأقرع في الحديث المشهور، وهؤلاء ليسوا أنبياء قطعاً، والنبوة مختصة بالرجال على الراجح وهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، لما ورد من الحصر في قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً {النحل:43}.
ورأى طائفة من أهل العلم جواز كون النبوة في النساء، واستدلوا بأن الله أوحى إلى بعض النساء، كما في قوله تعالى في قصة مريم: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا { مريم: 17}.
وجاء في في عمدة القاري: وأما مريم فزعم ابن حزم وآخرون أنها نبية وكذلك سارة أم إسحاق وأم موسى عليهما الصلاة والسلام، وعند الجمهور كما حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره من أهل السنة والجماعة أن النبوة مختصة بالرجال وليست في النساء نبية، وقد نقل الخلاف السيوطي في الكوكب الساطع:
واختلفت في خضر أهل النقول قيل ولي ونبي ورسول
لقمان ذي القرنين حوا مريم والمنع في الجميع رأي المعظم.
ورُد على هذا القول بأنه لا يُسَلَّم أن كل من خاطبته الملائكة فهو نبي، قال الشوكاني في قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا: وتدل الآية على أن الله لم يبعث نبياً من النساء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال: إن في النساء أربع نبيات: حواء وآسية وأم موسى ومريم، وقد كانت بعثة الأنبياء من الرجال أمراً معروفاً عند العرب حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها * وأصبحت أنبياء الناس ذكرانــا
فلعنة الله والأقوام كلهـــم *على سجاح ومن باللوم أغرانا. انتهى من فتح القدير.
وبهذا يعلم الرجحان لعدم نبوة مريم وسارة ـ رضي الله عنهما ـ
وأما الملائكة الذين بشروا سارة فقد جاءوا بصورة البشر وإبراهيم عليه السلام جهز لهم الضيافة ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، قال تعالى: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قآئمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد{ هود:69ـ 73}.
وقال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم{ الذاريات:24ـ29}.
والله أعلم.