عنوان الفتوى : العين والحسد والفرق بينهما وحكمهما ، وهل يضمن من يتعمد الإصابة بعينه
ما حكم العين والحسد في الإسلام ؟ وهل هو حلال أم حرام ؟ وما عذاب الشخص الذي يتفاخر بعينه أو يهدد الناس بعينه ؟
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من ذِكر معنى العيْن والحسد ، وذِكر الفرق بينهما ، فنقول :
العيْن : " مأخوذة من عان يَعين إذا أصابه بعينه ، وأصلها : من إعجاب العائن بالشيء
، ثم تَتبعه كيفية نفْسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المَعِين "
، كذا في " فتاوى اللجنة الدائمة "( 1 / 271 ) .
الحسَد : هو أن يتمنى زوال النعمة من عند أخيه ، ولم تتحول إليه !!
وقال الراغب الأصفهاني : " الحسد تمني زوال نعمة من مستحق لها ، وربما كان مع ذلك
سعي في إزالتها " انتهى من "المفردات في غريب القرآن" (118) .
وأما الفرق بينهما :
1. الحسد أعم من العيْن ، فكل عائنٍ حاسد ، وليس كل حاسد عائناً .
2. العائن أضر من الحاسد .
3. الحاسد قد يحسد ما لم يره ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ، والعائن لا يَعين
إلا ما يراه والموجود بالفعل .
4. مصدر الحسد : تحرُّق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، ومصدر العين : انقداح
نظرة العين ، أو نفس خبيثة .
5. الحسد لا يقع من صاحبه على ما يكره أن يصاب بأذى ، كمالِه وولده ، والعين تقع
على ما يكره العائن أن يصاب بأذى كولده وماله .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
"والمقصود : أن العائن حاسد خاص ، وهو أضر من الحاسد ، ولهذا - والله أعلم - إنما
جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن ؛ لأنه أعم ، فكل عائنٍ حاسدٌ ولا بد ، وليس
كل حاسد عائناً ، فإذا استعاذ من شر الحسد : دخل فيه العين ، وهذا من شمول القرآن
الكريم وإعجازه وبلاغته ، وأصل الحسد هو : بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها"
انتهى من " بدائع الفوائد " ( 2 / 458 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 20954
) .
ثانياً:
أما حكمهما : فلا شك أنه التحريم .
أ. أما الحسد : فقد جاء عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَحَاسَدوا ، وَلاَتَنَاجَشوا ، وَلاَ
تَبَاغَضوا ، وَلاَ تَدَابَروا ... ) .
رواه مسلم ( 2559 ) .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - :
"وكذلك قوله أيضاً في هذا الحديث ( لا تحاسدوا ) يقتضي النهي عن التحاسد ، وعن
الحسد في كل شيء على ظاهره وعمومه ، إلا أنه – أيضاً - عندي مخصوص بقوله صلى الله
عليه وسلم ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل
وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) هكذا رواه
عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من" التمهيد لما في الموطأ من
المعاني والأسانيد " ( 6 / 118 ) .
ب. وأما العيْن : فتحريمها من باب تحريم إيقاع الضرر على الناس ، وإيذائهم ، قال
تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) الأحزاب/ 58 ،
وقال صلى الله عليه وسلم ( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارٌ ) رواه ابن ماجه ( 2314 ) ،
وحسَّنه النووي وابن الصلاح وابن رجب - كما في " جامع العلوم والحكم " ( ص 304 ) -
وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
قال علماء اللجنة الدائمة - في شرح الحديث -:
"نهى النبي صلى الله عليه وسلم المكلَّف أن يضرَّ نفسه أو يضرّ غيره، ففيه دلالة
على منع الإنسان من التعدي على نفسه، أو غيره" .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 400 ) .
وانظر جوابي السؤالين ( 163185
) و ( 7190 ) .
ثالثاً:
أما من يتعمد إصابة الناس بعينه ويهددهم بذلك : فلا شك أنه آثم بذلك ، وعلى ولي
الأمر حبس هذا العائن ومنعه من لقاء الناس ، والإنفاق عليه إن كان فقيراً حتى يتوب
توبة نصوحاً أو يموت فيرتاح الناس من شرِّه وضرره .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – رحمه الله - :
سمعنا أن هناك بعض الأشخاص لهم قدرة الإصابة بالعين لمن أرادوا ومتى أرادوا ، فهل
هذا صحيح ؟ .
فأجاب :
"لاشك أن العين حق كما هو الواقع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( العَيْنُ
حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ ) – رواه مسلم -
، وفي حديث آخر ( إِنَّ العَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ القَبْرَ وَالجَمَلَ
القِدْرَ ) – رواه أبو نعيم في " الحلية " وحسنه الألباني في " الصحيحة " ( 1249 )
- ، أي : يحصل بها الموت ، أما حقيقتها : فالله أعلم بذلك .
ولاشك أنها تكون في بعض الناس دون بعض ، وأن العائن قد يتعمد الإصابة فيحصل الضرر ،
وقد لا يتعمد الإصابة فتقع منه بغير قصد ضرر ، وهناك من يحاول الإصابة ولا يقدر
عليها .
وقد أمر الله بالاستعاذة من العائن ، فهو داخل في قوله تعالى ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ
إِذَا حَسَدَ ) الفلق/ 5 ، وبالاستعاذة من شره يحصل الحفظ والحماية ، والله أعلم"
انتهى من" الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية " .
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book=14&toc=536&page=511&subid=17298
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
"ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم " أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من
مداخلة الناس ، وأن يلزم بيته ؛ فإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به ؛ فإن ضرره أشد من
ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس - كما تقدم واضحاً في
بابه - وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة " ، قال النووي : "
وهذا القول صحيح متعين لا يُعرف عن غيره تصريح بخلافه " انتهى من" فتح الباري " (
10 / 205 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 31 / 123 ) :
والنقول من مختلف المذاهب متضافرة على ما ذكره ابن بطال من كون الإمام يمنع العائن
من مخالطة الناس إذا عرف بذلك ويجبره على لزوم بيته ؛ لأن ضرره أشد من ضرر المجذوم
وآكل البصل والثوم في منعه من دخول المساجد ، وإن افتقر فبيت المال تكفيه الحاجة
لما في ذلك من المصلحة وكف الأذى .
انتهى . وينظر أيضا : ( 16 / 229 ) .
رابعاً:
الصحيح أن العائن المتعمد يضمن ما أوقعه من ضرر على الآخرين ، حتى إنه ليُقتل إذا
قتل بعينه.
قال القرطبي – رحمه الله - :
"لو أتلف العائن شيئاً : ضمنه ، ولو قَتل : فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه
بحيث يصير عادة ، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفراً " انتهى .
انظر " الموسوعة الفقهية " ( 17 / 276 ) .
وقال شرف الدين الحجاوي – رحمه الله - :
"والمِعيان : الذي يقتل بعينه ، قال ابن نصر الله في " حواشي الفروع " : ينبغي أن
يُلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالباً ، فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله
باختياره : وجب به القصاص ، وإن فعل ذلك بغير قصد الجناية : فيتوجه أنه خطأ يجب فيه
ما يجب في القتل الخطأ ، وكذا ما أتلفه بعينه يتوجه فيه القول بضمانه ، إلا أن يقع
بغير قصد فيتوجه عدم الضمان"انتهى من" الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل " ( 4 /
166 ) .
والله أعلم