عنوان الفتوى : هل " أويس القرني " و " الحسن البصري " من الصوفية ؟
أود أن أعرف إذا ما كان أويس القرني، حسن البصري ، الإمام الغزالي والشيخ عبد القادر الجيلاني من أئمة الصوفية ؟ وإذا كانت الإجابة بـ(نعم) فهل قاموا بوعظ الناس للدخول في الصوفية باعتبارها جزءا من الإسلام ؟ وإذا كانت الإجابة بـ(لا) فلماذا يستشهد بهم الصوفيون كثيرا ؟ حيث ورد ذكرهم كثيرا في غالبية كتب الصوفية ، وتم الاستشهاد بالكثير من أقوالهم . أرجو التوضيح .
الحمد لله
أولا :
لفظ التصوف من الألفاظ الحادثة في الإسلام ، لم يكن معروفا على عهد النبي صلى الله
عليه وسلم ، ولا عهد أصحابه ، بل ولم يشتهر ذكره في القرون المفضلة الثلاثة الأولى
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَمَّا لَفْظُ " الصُّوفِيَّةِ " فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فِي
الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ التَّكَلُّمُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ
وَقَدْ نُقِلَ التَّكَلُّمُ بِهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ
وَالشُّيُوخِ: كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني
وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ
وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " انتهى من "مجموع
الفتاوى" (11/5) .
وجاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة" (1/249) وما بعدها :
" خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه
الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها
وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل:
الصحابي، البدري، أصحاب البيعة ، التابعي.
لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو العملي التعبُّدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات
الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من
مناسبة .. "
" البداية والظهور: ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من
بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان أهل
الكتاب .
وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ به. على أقوال ثلاثة:
1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم
الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت
155هـ قال عنه سفيان: "لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الرياء". وكان معاصراً لجعفر
الصادق وينسب إلى الشيعة الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية.
2 ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من
تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها
صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع
أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد
منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي
حرام، ومعاملة أهلها حرام.
3 ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى
سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه
إليهم " انتهى .
وبهذا يتبين أن نسبة أويس القرني والحسن البصري إلى
التصوف ، بالمعنى الاصطلاحي الذي عرف عند المتأخرين ، نسبة باطلة غير صحيحة ؛ فإن
التصوف ـ بالمعنى المفهوم ـ لم يكن قد نشأن في وقت الحسن البصري ، فضلا عن أويس
القرني الذي هو أقدم من الحسن البصري .
وينظر جواب السؤال رقم (118693)
.
وأما الجيلاني ، والغزالي ، فقد سبق الحديث عنهما في جواب السؤال رقم (143615)
ورقم (13473) .
ثانيا :
وأما ورود ذكر أويس القرني والحسن البصري كثيرا في كتب التصوف ، فلأمرين :
الأول : أن كتب التصوف تعنى أول شيء بباب الأخلاق ، والزهد والرقائق ، وما أشبه ذلك
؛ وقد نقل في ذلك عن الحسن البصري الشيء الكثير الطيب النافع ، وهكذا نقل من أحوال
أويس القرني ، وبعض أقواله ، ما هو نافع مفيد في هذا الباب ، فمن الطبيعي أن يرد
ذكرهما في كتب التصوف .
الثاني : أن تقديم هذين العلمين : أويس القرني ، والحسن البصري ، رحمة الله عليهما
، والإشادة بذكرهما ، والقبول العام لهما في الأمة ، يجعل ورود ذكرهما في كتب التصوف
شيئاً منطقيا ومفهوماً ، فالمصنفون لهذه الكتب من هذه الأمة التي تلقت هذين الشخصين
بالقبول . وفي ضوء ذلك ـ أيضا ـ نفهم : لماذا ينتسب الصوفية لهما ، ولأمثالهما من
السلف الصالحين في الأمة ؛ فإن كل مذهب يبحث عن سند تاريخي مقبول على وجه العموم في
الأمة ، من أجل إثبات مشروعيته ، والترويج له بين الناس .
وإذا كانت أقوال هذين العلمين ، وأحوالهما ، منقولة في كتب أهل السنة المصنفة في الفقه ، وكتبهم المصنفة في الأخلاق والرقائق ، تبين أن مجرد ورود هذه الأقوال في كتب التصوف ، لا يعني أنهما من الصوفية ، بل يرجع إلى ما ثبت عنهما ، وعن غيرهما من السلف ، بالأسانيد الصحيحة ، ويضم ذلك إلى معرفة تاريخ نشأة التصوف ، وبه يتبين أن نسبتهما إلى التصوف ـ بالمعنى الاصطلاحي ـ نسبة باطلة.
والله أعلم .