عنوان الفتوى : الأصم الأبكم ومسألة التكليف
لدى سؤال بخصوص والدي رحمه الله وغفر له. ولد والدي لا يسمع ولا يتكلم منذ الولادة (أصم أبكم ) وعاش يتيما، توفي والداه منذ صغره وعاش في بيئة بدوية، وكان يقتات قوت يومه بأن يرعى الأغنام لأقربائه ليوفر لنفسة الغذاء والكساء، وكان لديه أخ رحمه الله ذهب إلى مصر وأخذ أبي وزوجه من أمي. ثم عاد إلى ليبيا ورزق أبي بولدين وبنتين وبارك الله فيهم، تعبا علينا حتى علمونا وأصبحت أنا وأخي مهندسين وأختي لديها ثانوية عامة رياضيات ولله الحمد. وقد توفى والدي فى شهر رمضان 2011-08-17 رحمة الله عليه وكان يعرف الله بالفطرة، وكان دئماَ حين نصاب بمصاب يفوض أمره لله ويقول لي بالإشارات هذا الشيء من عند الله – وكان يصوم ولكن رحمة الله عليه كان يتكاسل في أداء الصلاة، وفي الفترةالأخيرة لم يكن يصلي –لجهله بأمور الدين لعدم تعلمه، وأيضا لأنه كان لا يسمع ولا يتكلم حتى أستطيع أن أشرح له أن من الضروري أن يصلي. ومرة تحدثت معه على ضرورة الصلاة فلم يفهم أن هناك حسابا ولا بد من العمل، وكنت في حيرة من أمري، فذهبت إلى أحد الشباب الملتزمين وحكيت له قصتي. فأجابني إن والدك لا يعرف الرسول صلى الله علية وسلم ولا يعرف أمور الدين، وأن الصلاة عمود الدين. ومن الصعوبة إيصال هذه الأمور إليه. فقال لي أسال الله أن يكون ممن رفع عنهم القلم. فلا يعاقب، مع العلم بأنه كان يعرف الله بالفطرة وكان يحتسب لله عز وجل . وقبل وفاته تسحرنا معنا ثم ذهب لغسل يديه، ثم أتى وكنا نريد أن نعطيه الدواء الخاص بالضغط فقال متبسما: لا تعطوني الدواء وندى جبينه – وكان يشعر بوخز في صدره. فقال لأختي بالإشارة: اقرئي على هذا الوخز قرآنا لأنه يرى أختي دائما تقرأ القرآن. ثم توفي رحمة الله عليه. وبعد الصلاة عليه حملناه إلى القبر فنظرت إليه فكان كالنائم السعيد –متبسما. فكنت أريد أن أسأل هل أصلي عن والدي ما قصر في أدائه من الصلاة لجهله لعدم سماعه وعدم الكلام أي عجزه أو ماذا أفعل؟ لأني أريد أن أفعل شيئا لأجله. وما هو الشيء المستحب فعله؟ وأنا أدعو له في كل صلاة. وهل إذا صمت ستة من شوال وأهديتها له تصل؟ أفيدوني أفادكم الله وجزاكم عنا كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنعزيكم ابتداء في وفاة والدكم ونقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبروا واحتسبوا وغفر الله لميتكم. واعلم أن من كان أبكم أصم فإنه مكلف بقدر ما يمكن له أن يفهمه بالنظر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الأصم الأبكم هل هو مكلف مثل غيره من المسلمين؟ فأجاب رحمه الله:
الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه، وهما السمع والنطق، ولكن بقي عليه النظر، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر؛ فإنه لا يسقط عنه، وما كان لا يدركه؛ فإنه يسقط عنه، أما ما كان طريقه السمع إذا كان لا يدركه بالإشارة فإنه يسقط عنه، وعلى هذا فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول: إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة، وأنا أعرف الذين في معهد الصم والبكم في الرياض يعرفون بالإشارة أسرع من النطق؛ لأن هناك أناساً يترجمون لهم بالإشارة فيفهمون منهم مباشرة. اهـ.
وقد جاء ما يدل على أن الأصم الأبكم يدلي يوم القيامة بحجته فيما لم يبلغه من الدين، ففي في مسند إسحاق بن راهويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعة كلهم يدلي على الله يوم القيامة بحجة وعذر: رجل مات في الفترة، ورجل أدركه الإسلام هرما، ورجل أصم أبكم، ورجل معتوه. فيبعث الله إليهم ملكا رسولا فيقول: اتبعوه فيأتيهم الرسول فيؤجج لهم نارا ثم يقول: اقتحموها فمن اقتحمها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لا حقت عليه كلمة العذاب. اهـ. والحديث صححه الألباني .
وأما قضاء الصلاة عنه فلو فرض أن الصلاة كانت واجبة عليه وفرط في شيء منها فإن قضاء الصلاة عن الميت غير مشروع كما بيناه في الفتوى رقم 9656, والفتوى رقم 145423, والفتوى رقم 112468, والذي يمكنك فعله لتنفع والدك بعد مماته هو الدعاء له والصدقة والحج والاعتمار عنه, وكل عمل صالح تفعله ثم تنوي إهداء ثوابه إليه ينتفع به إن شاء الله تعالى كصيام ست من شوال أو غيرها من الأعمال الصالحة, وانظر الفتوى 141197عن الأعمال التي تنفع الميت.
والله تعالى أعلم