عنوان الفتوى : يؤجر بيته بشرط أن يأتي بالأجرة في نهاية المدة ويسترد البيت
في بلادنا نوع جديد لتأجير المنازل على النحو التالي *يقوم المؤجر بتأجير البيت على النحو التالي : 1- لمدة عامين 2- بمبلغ يزيد في إجماله الضعف عن إيجاره الشهري 3- يستلم المبلغ كاملا قبل بمجرد التوقيع على العقد 4-يرد كامل المبلغ بعد انتهاء العقد دون زيادة أونقصان شرط أن يستلم المنزل كما سلمه دون أي أعطال . 5-لا يحق للمستأجر إعادة تأجير المنزل. السؤال بفروعه" " جزاكم الله خيرا " : 1- مانوع هذا العقد ؟ 2-ماحكم هذا العقد ؟ 3-هل يعتبر تحايل على القرض الذي يجر منفعه ؟ 4-ماذا يترتب "شرعيا" اذا صح العقد طبعا " في حال عدم الوفاء من أي من الطرفين ؟ 5-في حالة الحاقه بالرهن او الدين " اذا صح العقد طبعا " فهل يحق للمستأجر إعادة إيجاره إن قبل المؤجر بذلك ؟ 6-ما هو تصويب هذا العقد شرعا . بارك الله فيكم
الحمد لله.
أولا :
إذا كان المستأجر يدفع المال ، ويستعمل السكن ، على أن يسترد ماله بعد نهاية المدة ، فهذه حيلة على القرض الربوي المحرم ، وهو قرض جر نفعا ، والنفع هنا هو سكنى الدار مجانا .
ولو كان هذا من باب الإجارة الحقيقية ، لما كان هناك وجه لاسترداد المال ؛ لأن المال يكون في مقابل المنفعة .
وهذا العقد يدخل فيما هو معروف عند الفقهاء ببيع الأمانة أو بيع الوفاء ، وهو أن بيع السلعة بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع، وهو بيع محرم لا يصح عند جمهور الفقهاء ، وقد صدر في تحريمه قرار من مجمع الفقه الإسلامي ، وينظر نصه في جواب السؤال رقم (2147)
ولا يخفى أن الإجارة نوع من البيع ، فهي بيع للمنفعة ، فالمالك هنا يبيع منفعة السكنى ، على أنه متى رد الثمن (الأجرة) رد المستأجر البيت .
قال في "مطالب أولي النهى" (3/ 4) : " ( وقال الشيخ ) تقي الدين : ( بيع الأمانة المضمونة ) على القابض هو ( اتفاقهما ) ; أي المتعاقدين ( على أن البائع إذا جاء المشتريَ بالثمن أعاد عليه ) ; أي على البائع ( ملكه ) المأخوذ منه ( ينتفع به ) ; أي : بالبيع ( مشترٍ ؛ بإجارة وسكن ونحوه ) ; كركوب ما يركب ، وحلب ما يحلب ، ( وهو ) : عقد البيع على هذه الكيفية ( باطل بكل حال ، ومقصودهما ) ; أي : المتبايعين ( إنما هو الربا بإعطاء دراهم بدراهم لأجل ، ومنفعة الدار ربح ) ; فهو في المعنى قرض بعوض ، والواجب رد المبيع إلى البائع ، ورد البائع إلى المشتري ما قبضه منه ثمنا عن المبيع . لكن يحسب للبائع منه ما قبضه المشتري من المال الذي سمَّيا أجرة . وإن كان المشتري هو الذي سكن ; حسب عليه أجرة المثل ; فتحصل المقاصة بقدره ، ويرد الفضل " انتهى .
ثانيا :
تصحيح هذا العقد ، يكون بجعله إجارة حقيقية ، بأن يستأجر منه السكن بأجرة لا ترد .
أو بجعله قرضا حسنا ، لا تشترط فيه منفعة ، فلو أقرضه واستأجر منه من غير اشتراط ، لزم أن يستأجر بأجرة المثل .
قال ابن قدامة رحمه الله في "الكافي" (2/ 70) : " ولا يجوز أن يُشترط في القرض شرط يجر به نفعا ، مثل أن يشترط رد أجود منه ، أو أكثر ، أو أن يبيعه أو أن يشتري منه ، أو يؤجره أو يستأجر منه ، أو يهدي له ، أو يعمل له عملا ونحوه ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم [ نهى عن بيع وسلف ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح".
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 317) : " ( كشرط ) المقرض ( زيادة وهدية ، وشرط ما يجر نفعا ، نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا ، أو رخيصا ، أو يقضيه خيرا منه ) فلا يجوز ; لأن القرض عقد إرفاق وقربة ؛ فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَالْمَنْعُ
مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ هُوَ الصَّحِيحُ قَطْعًا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا
يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ،وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ
يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ " رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ:
أحمد وأبو داود وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ
سَلَفٍ وَإِجَارَةٍ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ ، أَوْ مِثْلُهُ، وَكُلُّ
تَبَرُّعٍ يَجْمَعُهُ إِلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، مِثْلُ: الْهِبَةِ
وَالْعَارِيَةِ، وَالْعَرِيَّةِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُسَاقَاةِ
وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُبَايَعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: هِيَ مِثْلُ الْقَرْضِ.
فَجِمَاعُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُعَاوَضَةٍ وَتَبَرُّعٍ ;
لِأَنَّ ذَلِكَ التَّبَرُّعَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُعَاوَضَةِ، لَا
تَبَرُّعًا مُطْلَقًا، فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنَ الْعِوَضِ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ بَعِوَضٍ جَمَعَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ
أَقْرَضَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبَاعَهُ سِلْعَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ
بِأَلْفٍ لَمْ يَرْضَ [بِالِاقْتِرَاضِ] إِلَّا بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ
لِلسِّلْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ الزَّائِدِ
إِلَّا لِأَجْلِ الْأَلْفِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا، فَلَا هَذَا بَاعَ بَيْعًا
بِأَلْفٍ، وَلَا هَذَا أُقْرِضَ قَرْضًا مَحْضًا، بَلِ الْحَقِيقَةُ: أَنَّهُ
أَعْطَاهُ الْأَلْفَ وَالسِّلْعَةَ بِأَلْفَيْنِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ " مُدِّ
عَجْوَةٍ "، فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ أَخْذَ أَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ:
حَرُمَ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ .
وَهَكَذَا مَنْ أَكَرَى الْأَرْضَ الَّتِي تُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ ، وَأَعْرَاهُ
الشَّجَرَ، أَوْ رَضِيَ مِنْ ثَمَرِهَا بِجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، فَمَعْلُومٌ
بِالِاضْطِرَارِ: أَنَّهُ إِنَّمَا تَبَرَّعَ بِالثَّمَرَةِ لِأَجْلِ الْأَلْفِ
الَّتِي أَخَذَهَا، وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِنَّمَا بَذَلَ الْأَلْفَ لِأَجْلِ
الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ هِيَ جُلُّ الْمَقْصُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ
بَعْضِهِ، فَلَيْسَتِ الْحِيلَةُ إِلَّا ضَرْبًا مِنَ اللَّعِبِ [وَالْإِفْسَادِ] ،
وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. " انتهى من "القواعد
النورانية" (204) ، وهو بنصه أيضا في "مجموع الفتاوى" (29/62) .
ثالثا :
إذا أقرض الإنسان غيره ، واشترط رهنا ، جاز ذلك ، لكن لو كان الرهن بيتا لم يجز أن
يسكنه المُقْرض مجانا ، ولا بأجرة فيها محاباة ، بل يلزمه أجرة المثل ، وإلا كان
قرضا جر نفعا .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 250) عن العين المرهونة : " ما لا يحتاج
إلى مؤنة ، كالدار والمتاع ونحوه ، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن
بحال . لا نعلم في هذا خلافا ; لأن الرهن ملك الراهن ، فكذلك نماؤه ومنافعه ، فليس
لغيره أخذها بغير إذنه.
فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض ، وكان دين الرهن من قرض ، لم يجز ;
لأنه يحصل قرضا يجر منفعة ، وذلك حرام .
قال أحمد : أكره قرض الدور ، وهو الربا المحض . يعني : إذا كانت الدار رهنا في قرض
ينتفع بها المرتهن ...
فأما إن كان الانتفاع بعوض ، مثل أن استأجر المرتهن الدار من الراهن بأجرة مثلها ،
من غير محاباة ، جاز في القرض وغيره ، لكونه ما انتفع بالقرض ، بل بالإجارة .
وإن حاباه في ذلك فحكمه حكم الانتفاع بغير عوض ، لا يجوز في القرض ، ويجوز في غيره
" انتهى .
وينظر : سؤال رقم (140078)
.
والله أعلم .