عنوان الفتوى : انحراف المسجد عن اتجاه القبلة
هل انحراف المسجد عن اتجاه القبلة يؤثر في الصلاة؟ مع العلم أن المسجد المنحرف عن اتجاه القبلة يبعد حوالي 1300 كيلو متر عن الكعبة المشرفة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انحراف المسجد عن جهة القبلة لا يؤثر على صحة صلاة المصلين به إذا لم ينحرفوا معه عن القبلة، وإن انحرفوا معه وكان المسجد بعيدا عن الكعبة ـ كما هو الحال ـ وكان الانحراف الواقع في المسجد عن القبلة انحرافا يسيراً بحيث يكون المصلي مستقبلاً الجهة التي فيها القبلة فإنه لا يضر ولا تبطل الصلاة به، لأن المصلي متجه إلى جهة القبلة عموما، لأن مذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم، أن الواجب استقبال جهة الكعبة لمن بعد عنها وأنه لا يجب إصابة عينها، فالانحراف اليسير عن القبلة لا يضر بصحة الصلاة ما لم يخرج المصلي عن كونه مستقبلا للجهة، قال ابن رشد في بداية المجتهد مرجحا هذا القول: واتفاق المسلمين على الصف الطويل خارج الكعبة، يدل على أن الفرض ليس هو العين، أعني إذا لم تكن الكعبة مبصرة، والذي أقوله: إنه لو كان واجبا قصد العين، لكان حرجا، وقد قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
وفي الروض مع حاشيته: وفرض من بعد عن الكعبة استقبال جهتها، فلا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران عرفا، لحديث: ما بين المشرق والمغرب قبلة ـ وغيره وتقدم، ولأن الإجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة والصف الطويل مستويا، ولأن التكليف بحسب الوسع، قال في الإنصاف والمبدع وغيرهما: البعد هنا هو بحيث لا يقدر على المعاينة، ولا عن من يخبره بعلم، وقال غير واحد من الأصحاب: ليس المراد بالبعد مسافة القصر، ولا بالقرب دونها، والجهة الناحية كالوجه وأصلها وجهة، قال الواحدي: الوجهة اسم للمتوجه إليه، والوجهة مستقبل كل شيء. انتهى.
وقال في تحفة الأحوذي عند شرح حديث: ما بين المشرق والمغرب قبلة - وهو حديث صحيح كما ذكرالألباني -: قال الشوكاني: وقد اختلف في معنى هذا الحديث: فقال العراقي: ليس هذا عاما في سائر البلاد، وإنما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها، وهكذا قال البيهقي في الخلافيات، وهكذا قال أحمد بن خالويه الرهبي، قال: ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك، قال ابن عبد البر: وهذا صحيح لا مدفع له ولا خلاف بين أهل العلم فيه، وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن معنى الحديث؟ فقال: هذا في كل البلدان إلا بمكة عند البيت، فإنه إن زال عنه شيئا ـ وإن قل ـ فقد ترك القبلة ثم قال: هذا المشرق وأشار بيده، وهذا المغرب وأشار بيده، وما بينهما قبلة، قلت له: فصلاة من صلى بينهما جائزة؟ قال نعم وينبغي أن يتحرى الوسط، قال ابن عبد البر: تفسير قول أحمد: هذا في كل البلدان يريد أن البلدان كلها لأهلها في قبلتهم مثل ما كانت قبلتهم بالمدينة الجنوب التي يقع لهم فيها الكعبة فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها ما بين المشرق والمغرب يجعلون المغرب عن أيمانهم والمشرق عن يسارهم، وكذلك لأهل اليمن من السعة في قبلتهم مثل ما لأهل المدينة ما بين المشرق والمغرب إذا توجهوا أيضا قبل القبلة، إلا أنهم يجعلون المشرق عن أيمانهم والمغرب عن يسارهم، وكذلك أهل العراق وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة فيما بين المشرق والمغرب، وكذلك ضد العراق على ضد ذلك أيضا، وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع قليلا، ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلا، ثم هي لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا. انتهى.
ومن هذا يعلم أن الصلاة في المسجد المذكور مع وجود انحراف يسير عن القبلة صحيحة، والأولى تجنب هذا الانحراف بقدر الاستطاعة خروجا من خلاف أهل العلم، وانظرالفتوى رقم: 151119.
والله أعلم.