عنوان الفتوى : هل للفقير حق في مال الغني سوى الزكاة؟
هل للمعسر حق في مال الميسور؟ وهل نحاسب على الجار إذا كان معسرا ولم نساعده؟ لأنني أظن أنه من المعيب أن يكون هناك محتاجا وسط جماعة تدعي التدين؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله تعالى للفقير حقا في مال الموسر فأوجب عليه الزكاة، وأما ما سوى الزكاة فقد اختلف الفقهاء هل في المال حق سوى الزكاة كإطعام الجائع ومواساة الفقير ونحو ذلك، فمنهم من قال لا حق في المال سوى الزكاة، ومنهم من قال في المال حق سوى الزكاة استدلالا بقول الله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {المعارج: 24ـ25}.
قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم حول هذه الآية : قَالَ الْجُمْهُور: الْمُرَاد بِهِ الزَّكَاة وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَال حَقّ سِوَى الزَّكَاة، وَأَمَّا مَا جَاءَ غَيْر ذَلِكَ فَعَلَى وَجْه النَّدْب وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وَقَالَ بَعْضهمْ: هِيَ مَنْسُوخَة بِالزَّكَاةِ، وَذَهَبَ جَمَاعَة ـ مِنْهُمْ الشَّعْبِيّ وَالْحَسَن وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَمَسْرُوق وَغَيْرهمْ ـ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَة، وَأَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة مِنْ فَكِّ الْأَسِير وَإِطْعَام الْمُضْطَرّ وَالْمُوَاسَاة فِي الْعُسْرَة وَصِلَة الْقَرَابَة. اهـ مختصرا.
وعلى هذا القول، فإن للفقير المعسر حق في مال الأغنياء الموسرين وهو فرض كفاية. قال شيخ الإسلام: ومثل إطعام الجائع وكسوة العارى ونحو ذلك فهو فرض كفاية فمن غلب ظنه أن غيره لا يقوم بذلك تعين عليه. اهـ.
ويتأكد هذا إذا كان جارا، فإن الجار المسلم له حقان حق الإسلام وحق الجوار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه. رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني وقال ـ رحمه الله ـ في السلسلة الصحيحة : وفي الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة ونحو ذلك من الضروريات، ففي الحديث إشارة إلى أن في المال حقا سوى الزكاة، فلا يظنن الأغنياء أنهم قد برئت ذمتهم بإخراجهم زكاة أموالهم سنويا، بل عليهم حقوق أخرى لظروف وحالات طارئة من الواجب عليهم القيام بها وإلا دخلوا في وعيد قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون. اهـ.
والله أعلم.