عنوان الفتوى : على العبد إدامة الدعاء مع حسن الظن بالله وعدم اليأس
أدعو الله منذ ثلاث سنوات بشيء معين، ورغم أن كل ما يتغير حولي في الحياة يوحي بأن ما أدعو به لن يتحقق إلا أنني وربي العظيم يشهد على ما في قليي لم أستمر في الدعاء إلا ليقيني به وفقط، وما أدعو به ليس مستحيلا، أو يتطلب معجزة فأنا أدعو بالمعقول، ولكن كما يقال الأبواب تسدد بابا وراء باب ـ عدا طبعا باب الأمل في الله ـ وسؤالي يا شيخ هو: هل أتوقف عن الدعاء باعتبار أنه لو كان خيرا لي ما أدعو به لكان قد حدث خلال هذه المدة؟ ويشهد ربي أني لا أسأل، لأنني مللت من الدعاء، فـمناجاة الله تعالى لا تمل؟ أم أستمر لأن الله تعالى لا يمل حتى نمل؟ وأيضا قد تقول لي نفسي ربما ربي سبحانه لن يستجيب لذنب أرتكبه، رغم أنني ووالله قبل أن أدعو بأي شيء أصلي على حبيب الله وأتوب إليه من كل شيء، فهل هناك علامات تدل على أن ربي غاضب علي أم لا؟ وهل يمكن أن لا يحقق ربي ما أريد بسبب شيء أرتكبه؟ وجزاك الله كل خير يا شيخ، أسألكم الدعاء لي بتفريج كربي عاجلا غير آجل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بعد تقوى الله العظيم بالإكثار من الدعاء وعدم العجلة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
واحمدي الله تعالى على ما وفقك له من الدعاء، فقد قال عمر ـ رضي الله عنه: أنا لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء، فإن الإجابة معه.
وأحسني الظن بالله تعالى، ففي الحديث: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله. رواه أحمد.
وفي الحديث: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. رواه الحاكم، وصححهما الألباني.
واعلمي أن الدعاء المشروع نافع بكل حال، وأن استجابة الدعاء لا تقتصر على نيل المراد، بل قد يدخر الله لعبده في الآخرة خيراً مما أراد، وقد يدفع عنه الشر والبلاء بذلك، ففي الحديث: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وفي رواية لأحمد: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
فلتحسني الظن بالله تعالى، ولا تيأسي من إجابة دعائك مهما تأخرت الإجابة، ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتثبيطه وكيده، فإن مجرد الدعاء عبادة، وتذكري قوله صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وروى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وابتعدي عن المعاصي، فإنها قد يحرم مقترفها من بعض الأشياء عقوبة له، كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد والحاكم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ـ وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ـ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. رواه مسلم.
وأما عن علامات تفيد غضب الله، أو عدمه فلا يمكننا الجزم بشيء في ذلك بالنسبة لشخص مخصوص، ولكنه قد يبتلي الله المؤمن بشيء من المصائب بسبب بعض المعاصي التي ارتكبها، أو حرمانه من بعض الأشياء كما قلنا، ولكن هذا ليس مطردا، فقد تكون المصيبة لمجرد الامتحان، وليس عقابا، بل قد يكون البلاء دليلاً على محبة الله للعبد، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
لكن ينبغي للمسلم تجديد التوبة واجتناب المعاصي، فإنّ المعاصي سبب لنزول البلاء، فقد قيل: لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة.
وقال ابن القيم: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. اهـ
وعلى المسلم أن يتوب من معاصيه على كل حال، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31 }.
وتراجع الفتوى رقم: 65816.
والله أعلم.