عنوان الفتوى : السفر من أجل العمل وبره بوالديه
ما حكم السفر دون إذن الوالدين؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا حرج عليك في السفر من أجل العمل، إذا سفرك آمنن ولا مخاطر فيه يخشى عليك الهلاك فيها، لا في طريقك، ولا في عملك وبلد إقامتك، ولا تخشى على أبيك من الضياع لو سافرت عنه، فلا مانع من السفر بدون إذن والدك، وإن مانع من سفرك، والأولى أن ترضيه بما تراه مناسباً، فما كان الإحسان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
أما مسألة الموت والحياة، فهذه كلها أمور في الغيب عند الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نرجو من الله الخير، ونسأله دوما من فضله وكرمه وإحسانه.
وقد حبَّذ كثير من العلماء السفر والضرب في الأرض، وقد نظم الإمام الشافعي بضعة أبيات يشجع فيها على السفر والترحال قال فيها:
ما في المَقامِ لِذي عَقلٍ وَذي أَدَبِ مِن راحَةٍ فَدَعِ الأَوطانَ وَاِغتَرِبِ
سافِر تَجِد عِوَضاً عَمَّن تُفارِقُهُ وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ
إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ
وَالأُسدُ لَولا فِراقُ الأَرضِ ما اِفتَرَسَت وَالسَهمُ لَولا فِراقُ القَوسِ لَم يُصِبِ
وَالشَمسُ لَو وَقَفَت في الفُلكِ دائِمَةً لَمَلَّها الناسُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ
وَالتِبرُ كَالتُربِ مُلقىً في أَماكِنِهِ وَالعودُ في أَرضِهِ نَوعٌ مِنَ الحَطَبِ
فَإِن تَغَرَّبَ هَذا عَزَّ مَطلَبُهُ وَإِن تَغَرَّبَ ذاكَ عَزَّ كَالذَهَبِ
وقال أيضا:
اِرحَل بِنَفسِكَ مِن أَرضٍ تُضامُ بِها وَلا تَكُن مِن فِراقِ الأَهلِ في حُرَقِ
فَالعَنبَرُ الخامُ رَوثٌ في مَواطِنِهِ وَفي التَغَرُّبِ مَحمولٌ عَلى العُنُقِ
وَالكُحلُ نَوعٌ مِنَ الأَحجارِ تَنظُرُهُ في أَرضِهِ وَهوَ مُرميٌّ عَلى الطُرُقِ
لَمّا تَغَرَّبَ حازَ الفَضلَ أَجمَعَهُ فَصارَ يُحمَلُ بَينَ الجَفنِ وَالحَدَقِ
قال الإمام السرخسي الحنفي في شرح السير الكبير:
“وكل سفر أراد الرجل أن يسافره غير الجهاد، لتجارة، أو حج، أو عمرة، فكره ذلك أبواه، وهو لا يخاف عليهما الضيعة، فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهراً، إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه، نحو ركوب البحر، فحينئذ حكم هذا وحكم الخروج إلى الجهاد سواء، لأن خطر الهلاك فيه أظهر.
والسفر على قصد التعلم إذا كان الطريق آمنا، والأمن في الموضع الذي قصده ظاهراً، لا يكون دون السفر للتجارة، بل هذا فوقه لقوله تعالى: “فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ” فلا بأس بأن يخرج إليه وإن كره الوالدان، إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما.
قال: وإن كان يخرج في التجارة إلى دار الحرب بالأمان، فكرها ذلك، فإن كانوا قوما يفون بالعهد معروفين بذلك فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب هو السلامة، فصار هذا والخروج إلى بلدة أخرى من دار الإسلام سواء. انتهى.
والله أعلم.