عنوان الفتوى : التحفظ من العائن ومنعه من مخالطة الناس
عندي مشكلة ومحتاجة لفتوى تريح قلبي: إذا كان هناك شخص أعرف أنه حسود أو حقود، أو لا يتمنى الخير ويقال -والله أعلم- أن له في أعمال السحر -أعوذ بالله منها- وربنا يكفينا الشر وتربطه بي صلة قرابة قريبة (زوجة جدي). هل أدعوها في زواجي أم من باب الأخذ بالأسباب أتجنب وجودها ولا أعلمها بزواجي، وبالتالي عدم إبلاغ جدي أيضا وهو مقعد ربما لا يستطيع أن يأتي ويفوض زوجته هذه مكانه. علما بأنها مكروهة وغير محبوبة من الجميع، وتتحدث دائما عن العائلة بأسوإ الكلام. بالله عليكم أنا لا أريد أن أدخل في شرك ولكن فقط الحذر والأخذ بالأسباب، وأنا لا أريدها أن تكون حاضرة حفل كتب كتابي ولكنها ليست دخلة (الدخلة بعدها بكم شهر إن شاء الله). فبماذا تنصحوني وجزاكم الله كل خير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في كتم الأمر المذكور عن هذه المرأة سواء خشيتم منها ضررا أم لا، وبالأحرى إذا كان يخشى منها عين أو حسد أو ضرر، دفعاً للضرر.
والأصل في ذلك قوله الله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ.
وقوله تعالى عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. [يوسف:67] .
قال العلماء: إن ذلك كان خوفاً عليهم من العين، وقد وصف الله يعقوب بعد ذكره لهذه المسألة قائلاً: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه .
وفي الحديث الشريف: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. رواه الطبراني وغيره وصححه الشيخ الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: فصل: ومن علاج ذلك -العين- أيضا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها، كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال: دسموا نونته لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره: ومعنى دسموا نونته: أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومن هذا أخذ الشاعر قوله:
ما كان أحوج ذا الكمالى عيب يوقيه من العين
اهـ. من زاد المعاد.
وما يؤيد هذا أن التحفظ من حضور العائن نص عليه العلماء بل نصوا على حبس العائن ومنعه من مخالطة الناس إذا تؤكد من ضرره.
جاء في زاد المعاد في هدي خير العباد: وقد قال أصحابُنا وغيرُهم من الفقهاء: إنَّ مَن عُرِفَ بذلك -الإصابة بعينه- حبَسه الإمامُ، وأجرَى له ما يُنفِقُ عليه إلى الموت، وهذا هو الصوابُ قطعاً. انتهى.
وجاء في مدارج السالكين: وإذا عرف الرجل بالأذى بالعين ساغ بل وجب حبسه وإفراده عن الناس، ويطعم ويسقى حتى يموت، ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف لأن هذا من نصيحة المسلمين ودفع الأذى عنهم، ولو قيل فيه غير ذلك لم يكن بعيدا من أصول الشرع. انتهى.
وقد ذكر ابن القيم في الفوائد عشرة أسباب للوقاية من الحسد فراجعيها في الفتوى رقم : 24972
والله أعلم.