عنوان الفتوى : مشروعية تصرف المرأة الرشيدة في مالها دون إذن زوجها
كيف نوفق بين قول العلماء إن معاش المرأة ملكها لا دخل لزوجها به وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بإذن زوجها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تكسبه المرأة من عملها فهو ملك لها بلا خلاف، لكن الخلاف في جواز تصرف الزوجة الرشيدة في مالها الخاص بها دون إذن زوجها، والجمهور على أن ذلك حق لها وهو الراجح عندنا، كما سبق في العديد من الفتاوى، أما التوفيق بين قول الجمهور والحديث المذكور، فالحديث رواه الطبراني وتمام وابن عساكر عن واثلة ، وقال الهيثمي: وفيه جناح مولى الوليد وهو ضعيف.
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : لا تجوز لامرأة هبة في مالها إلا بإذن زوجها إذا ملك زوجها عصمتها. أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وصحح الحديث الألباني كما في السلسلة الصحيحة والجامع الصغير.
جاء في فيض القدير: ولا حجة لمالك في الحديث عند التأمل. اهـ.
فقيل لعله يقصد أن الحديث لا يعم جميع تصرفها، بل إن تتجاوز الضرورة وتقرب من تضييع المال وهو معنى الانتهاك، وقد وردت أحاديث صحيحة تفيد صحة تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها، وهي أصح من الأحاديث التي تفيد منع المرأة من التصرف في مالها دون إذن زوجها، قال ابن بطال: فأحاديث هذا الباب أصح من حديث عمرو بن شعيب.
كما استدل الجمهور بأدلة أخرى على جواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها دون إذن زوجها، قال ابن بطال: فثبت أن من صح رشده صح تصرفه في ماله بما شاء، وقال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً { النساء: 4} الآية، فأباح للزوج ما طابت له به نفس امرأته، وقال: إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة: 237ـ فأجاز عفوها عن مالها بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد، فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها فيه كالرجل سواء، واحتجوا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء بالصدقة، ولم يأمرها باستئذان الزبير، وأن ميمونة أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، وبحديث ابن عباس أنه عَلَيْهِ السَّلام خطب النساء يوم عيد وقال لهن: تصدقن ولو من حليكن ـ وليس في شيء من الأخبار أنهن استأذن أزواجهن، ولا أنه عَلَيْهِ السَّلام أمرهن باستئذانهم، ولا يختلفون في أن وصاياها من ثلث مالها جائزة كوصايا الرجل، ولم يكن لزوجها عليها في ذلك سبيل ولا أمر، وبذلك نطق الكتاب، وهو قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ { النساء : 12} فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها، فأفعالها في مالها في حياتها أجوز.
والله أعلم.