عنوان الفتوى : من يتحمل الخسارة في عقد المضاربة؟
هل بتحمل العامل في المضاربة الخسارة؟
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
الأخ الفاضل :-
الإجابة على سؤالك هذا تقتضي منا بيان الأمور التالية :-
الأول :- حكم نفقة المضارب من مال المضاربة .
الثاني :- حكم مخالفة المضارب شروط رب المال.
الثالث :- من يتحمل الخسارة .
أما عن نفقة المضارب في السفر، فالذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية: أن للمضارب أن ينفق على نفسه بالمعروف والمعتاد من مال المضاربة في السفر، إذا أذن له رب المال بذلك، أو اشترط المضارب ذلك ، أو جرى العرف بذلك حتى لو لم يشترطا، وتخصم النفقة من الإيراد أي من الربح قبل قسمته.
جاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة :-
( وليس للمضارب نفقة ) من مال المضاربة ( ولو مع السفر ) بمال المضاربة ; لأنه دخل على أن يستحق من الربح شيئا فلا يستحق غيره إذ لو استحقها لأفضى إلى اختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة ( إلا بشرط كوكيل ) قال الشيخ تقي الدين : أو عادة ( فإن شرطها ) أي النفقة رب المال ( له ) أي المضارب ( وقدرها فحسن ) قطعا للمنازعة ( فإن لم يقدرها ) أي النفقة . ( واختلفا ) أي تشاحا في قدر النفقة ( فله نفقة مثله عرفا من طعام وكسوة ) كالزوجة ; لأن إطلاق النفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة، فكان له النفقة والكسوة , وهي إباحة فلا ينافي ما تقدم: أن شرطا دراهم معلومة يبطلها. وتردد ابن نصر الله , هل هي من رأس المال أو الربح ؟ قلت بل الظاهر أنها من الربح ( وإن كان معه ) أي المضارب ( مال لنفسه يتجر فيه , أو ) معه ( مضاربة أخرى , أو ) معه ( بضاعة لآخر فالنفقة على قدر المالين ) ; لأن النفقة للعمل في المال فكانت على قدر ما لكل فيه ( إلا أن يكون رب المال قد شرط له ) أي العامل ( النفقة من ماله , مع علمه بذلك ) أي بما معه من مال نفسه , أو مضاربة أو بضاعة لغيره ( وإن لقيه ) أي العامل ( رب المال ببلد أذن له في سفره إليه وقد نض ) المال ( فأخذه ) ربه منه ( فلا نفقة لرجوعه ) إلى البلد الذي سافر منه ; لأنه إنما استحق النفقة ما داما في القراض وقد زال فزالت النفقة .انتهى.
ثانيا :- إذا كنت قد شرطت عليه أن لا يبيع إلا نقدا فإنه يضمن الخسارة الناتجة عن البيع نسيئة، وأما إذا لم تشترط عليه ذلك فمرد ذلك إلى العرف، فإن كان العرف يقتضي منحه هذه الصلاحية، فلا يضمن الخسارة وإلا ضمنها، وإذا اختلفتما هل العرف يسمح أم لا ، فالحل أن تختاروا مجموعة من أهل الخبرة والعدل للفصل في هذا، أي تسترشدون برأيهم هل العرف يقضي بهذا أم ذاك؟
ثالثا :- الخسارة الطبيعية ( أي التي لا تنتج عن إهمال ولا تفريط ولا تعد يتحملها رب المال دون المضارب ، وأما في حالة التفريط أو الإهمال أو التعدي فإن العامل هو الذي يضمن ذلك)
وبعد …. فهذا ما تقتضيه الأحكام الفقهية، ويبقى الفضل والمعروف والإحسان.
يقول ابن قدامة في كتابه المغني :-
…وليس للمضارب السفر بالمال , في أحد الوجهين , وهو مذهب الشافعي ; لأن في السفر تغريرا بالمال وخطرا , ولهذا يروى : ” إن المسافر وماله لعلى خطر ” قلت , إلا ما وقى الله تعالى : أي هلاك , ولا يجوز له التغرير بالمال بغير إذن مالكه، والوجه الثاني , له السفر به إذا لم يكن مخوفا، قال القاضي : قياس المذهب جوازه , بناء على السفر بالوديعة، وهذا قول مالك، ويحكى ذلك عن أبي حنيفة ; لأن الإذن المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة , والعادة جارية بالتجارة سفرا وحضرا , . ولأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض , فملك ذلك بمطلقها , وهذان الوجهان في المطلق .
فأما إن أذن في السفر , أو نهي عنه , أو وجدت قرينة دالة على أحد الأمرين , تعين ذلك , وثبت ما أمر به، وحرم ما نهي عنه، وليس له السفر في موضع مخوف , على الوجهين جميعا، وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا , لم يكن له السفر في طريق مخوف , ولا إلى بلد مخوف , فإن فعل , فهو ضامن لما يتلف ; لأنه متعد بفعل ما ليس له فعله، وإن سافر في طريق آمن جاز , ونفقته في مال نفسه، وبهذا قال ابن سيرين , وحماد بن أبي سليمان، وظاهر مذهب الشافعي . وقال الحسن , والنخعي , والأوزاعي , ومالك , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي : ينفق من المال بالمعروف , إذا شخص به عن البلد ; لأن سفره لأجل المال , فكانت نفقته منه كأجر الحمال، ولنا: أن نفقته تخصه , فكانت عليه , كنفقة الحضر , وأجر الطبيب , وثمن الطب , ولأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى , فلا يكون له غيره , ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه .
فأما إن اشترط له النفقة , فله ذلك , وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره . قال أحمد , في رواية الأثرم : أحب إلي أن يشترط نفقة محدودة , وإن أطلق صح. نص عليه، وله نفقته من المأكول , ولا كسوة له . قال أحمد : إذا قال : له نفقته، فإنه ينفق، قيل له : فيكتسي ؟ قال : لا , إنما له النفقة . وإن كان سفره طويلا , يحتاج إلى تجديد كسوة , فظاهر كلام أحمد جوازها ; لأنه قيل له : فإن لم يشترط الكسوة , إلا أنه في بلد بعيد , وله مقام طويل , يحتاج فيه إلى كسوة، فقال : إذا أذن له في النفقة فعل , ما لم يحمل على مال الرجل , ولم يكن ذلك قصده . هذا معناه . وقال القاضي وأبو الخطاب : إذا شرط له النفقة , فله جميع نفقته , من مأكول أو ملبوس بالمعروف، وقال أحمد : ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه , غير متعد بالنفقة , ولا مضر بالمال، فلم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة ; لأن الأسعار تختلف , وقد تقل , وقد تكثر، فإن اختلفا في قدر النفقة , فقال أبو الخطاب : يرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة , وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله، فإن كان معه مال لنفسه مع مال المضاربة , أو كان معه مضاربة أخرى , أو بضاعة لآخر , فالنفقة على قدر المالين , لأن النفقة إنما كانت لأجل السفر , والسفر للمالين , فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما , إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة مع علمه بذلك، ولو أذن له في السفر إلى موضع معين , أو غير معين , ثم لقيه رب المال في السفر , إما بذلك الموضع , أو في غيره , وقد نض المال , فأخذ ماله , فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى بلده , لم يكن له ; لأنه إنما يستحق النفقة ما داما في القراض , وقد زال , فزالت النفقة , ولذلك لو مات لم يجب تكفينه، وقد قيل : له ذلك ; لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغيره , بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه , معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا , فإذا قطع عنه النفقة , تضرر بذلك .
والله أعلم .
حرر هذه الفتوى حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع.