عنوان الفتوى : ضابط العلم الذي يحرم كتمانه
سأتكلم عن أمور انتشرت جداً عبر جوالات البلاك بيري، وأنا لا أعلم ما الحكم فيها وأرجو أن ألقى منكم التوجيه. أحيانا نستقبل حديثا يحتوي على معلومة، مثلاُ عن علامات الساعة، وفي نهاية الرسالة يخبرك بأن ترسلها، وأن من لجم علماً ألجمه الله، ومرة يقولون: يرجم من نار. وأنا لا أعلم صحة الحديث أصلاً، خصوصاً مع انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة ! وما صحة أنه لو أتتني معلومة ولم أرسلها هل أعتبر ممن لجم علماً؟ وما هو الرد على هذه الأحاديث الموضوعة ؟ كذلك أحياناً تأتي رسالة فيها رابط للقرآن ويكتب تحتها أرسلها، ومن ثم يدعو: اللهم لا تجعلني ممن يستحي من نشر القرآن، كذلك بعض الأدعية أو الأذكار ويطلب منك نشرها أو يقول: أمانة عليك ترسلها، فأرجو منكم توجيهنا وتوجيه الشباب لما فيه الصلاح. وكما أرجو كذلك أن يكون لكم جروب على البلاك بيري للحد من هذه الأمور، وتقديم الشيء الصحيح في سبيل ذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سُئِل علما يعلمُهُ فكتمه ، أُلْجِمَ بِلجام من نار». أخرجه الترمذي وغيره, وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح.
ولكن هذا الوعيد الوارد في الحديث مخصص بالعلم الواجب بذله وتعليمه، فهذا الذي لا يجوز كتمانه، ومن كتمه استحق على ذلك الوعيد المذكور. جاء في النهاية في غريب الأثر: "الممسك عن الكلام ممثَّل بمن ألجم نفسه بلجام . والمراد بالعلم ما يلزمه تعليمه ويتعين عليه كمن يرى رجلا حديث عهد بالإسلام ولا يحسن الصلاة وقد حضر وقتها فيقول : علموني كيف أصلي، وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فإنه يلزم في هذا وأمثاله تعريف الجواب" انتهى.
وجاء في "عون المعبود" في شرح سنن أبي داود: [ قال الخطابي: الممسك عن الكلام ممثل بمن ألجم نفسه كما يقال: التقي ملجم , فإذا ألجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار به يعاقب في الآخرة بلجام من نار، وخرج هذا على معنى مشاكلة العقوبة للذنب , قال: وهذا في العلم الذي يتعين عليه فرضه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول: علموني الإسلام وما الدين؟ وكيف أصلي؟ وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام ........ وليس الأمر كذلك في نوافل العلم الذي لا ضرورة للناس إلى معرفتها ] انتهى
من هنا يعلم ضابط العلم الذي يحرم كتمانه، أما ما سوى ذلك من المعلومات التي لا يتحتم العلم بها فلا يدخل كاتمها تحت الوعيد المذكور.
ومن هنا فلا يلزم من جاءته مثل هذه الرسائل أن يرسلها حتى ولو كان متأكدا من صحة ما ورد فيها ؛ لأن الإلزام لا يكون إلا من جهة الدليل الشرعي ولم يوجد هنا دليل شرعي يلزم بمثل هذا.
وتراجع الفتوى رقم: 50652، ففيها الحديث عن نشر مثل هذه الرسائل التي تحتوي على أحاديث ضعيفة أو موضوعة. وتراجع الفتوى رقم: 17521ففيها الحديث عن حكم نشر الأحاديث التي لا يعلم حكمها من حيث الصحة أو عدمها.
والله أعلم.