عنوان الفتوى : الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر ، وهل من كان متلبسا بواحد منهما كان خالداً مخلداً في النار إذ لا يخرج منها ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
النفاق الأكبر هو نفاق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، قال الجرجاني رحمه الله :
" المنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا ، ويظهر الإيمان قولا " انتهى .
"التعريفات" (ص / 298)

فمن أظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأبطن ما يناقض ذلك ، أو يناقض شيئا منه : فهذا هو المنافق النفاق الأكبر .
وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) النساء / 145
ومن أبرز صفاتهم الكذب والخيانة والغدر واللجاج في الخصام .

وأما النفاق الأصغر – ويسمى أيضا بالنفاق العملي - فهو نفاق الأعمال ، وهو أن يظهر عملا صالحا ويبطن خلاف ذلك ، أو تختلف سريرته عن علانيته ، لكن ليس في أصول الإيمان التي مر ذكرها . ومن ذلك أن يقع في شعبة من شعب النفاق العملي ، أو يتصف بصفات المنافقين من الكذب والخيانة وخلف الوعد .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )
رواه البخاري (34) ومسلم (58)
فمن اتصف من أهل التوحيد بشيء من ذلك وقع في النفاق الأصغر بحسب ما فعله أو اتصف به ؛ لأنه شابه المنافقين في بعض أعمالهم ، وإن لم يكن مثلهم تماما .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وَالنِّفَاقُ يُطْلَقُ عَلَى النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ إضْمَارُ الْكُفْرِ ، وَعَلَى النِّفَاقِ الْأَصْغَرِ الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الْوَاجِبَاتِ ... وهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . وَبِذَلِكَ فَسَّرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ . وَحَكَوْهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ . وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ " كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَنِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ ، وَشِرْكٌ دُونَ شِرْكٍ " .
"مجموع الفتاوى" (11 /140)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر ، وإظهار الخير وإبطان خلافه ، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين : أحدهما النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار . والثاني النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل ، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك .
وحاصل الأمر : أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية ، كما قاله الحسن . والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ، كما أن المعاصي بريد الكفر ، وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت ؛ كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا ، وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ قال : ومن يأمن على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقا ، وروى نحوه عن حذيفة " انتهى ملخصا.
"جامع العلوم والحكم" (ص430-434)

ومن كان فيه شيء من النفاق الأصغر ، ومات على ذلك : فإنه لا يخلد في النار ، إنما يخلد في النار المنافق نفاقا أكبر ، إلا أن النفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما سبق ؛ ولذلك كان الصحابة والسلف رضي الله عنهم يتعوذون بالله منه .

وعلى ذلك : فمن كان فيه شيء من النفاق الأصغر من المسلمين ، فليس من أهل الخلود في النار ، بل مرده إلى مشيئة الله تعالى في الآخرة : إن شاء عذبه في النار بذنبه ، ثم يخرجه منها بما معه من التوحيد ، وإن شاء غفر له ابتداء ، شأنه شأن أهل المعاصي من الموحدين .
أما المنافق نفاقا أكبر ففي النار خالدا فيها – نعوذ بالله من النار - .

والله أعلم .
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (21249) ، (145700)