عنوان الفتوى : الاقتراض بالربا لقضاء الدين
أنا متزوج وأب لولدين – محمد وليد وذكرى – موظف لدى قطاع التربية والتعليم بصفة أستاذ التعليم الإعدادي منذ أواخر سنة 2009. مشكلتي يا شيخي الفاضل بدأت خيوط نسيجها سنة 2007 حين ابتلاني ربي عز وجل في مالي، حيث وباختصار شديد حتى لا أطيل عليك ، أسست وجار لي مشروعا تجاريا – محلا لبيع الأعشاب الطبية – بقيمة 8000 دولار. جاري دخل المشروع بماله وأنا دخلته بمجهودي وفكري على أن تكون الأرباح مناصفة بيننا، واشترط علي قبل بدء المشروع – وهنا الكارثة – أن أدع لديه صكا ماليا بقيمة المبلغ السالف الذكر كضمان لماله، وقد قبلت بهذا وأنا أحسن الظن بالرجل. مر قرابة العام مذ بدأنا كخلطاء، ثم بدأ المشروع في التدهور والانهيار حتى أصبح لا يدر علينا أكثر من 100 دولار شهريا، مما جعل خليطي يستاء جدا من ذاك الوضع المزري. فاتجهت في يوم من أيام 2008 إلى الرجل وباحثته في أمر تغيير المشروع ، فرفض رفضا قاطعا وحادا، وطالبني برأس ماله وقال بالحرف الواحد : (الخسارة في المشروع تكون عليك وحدك ، ورد إلي رأس مالي وإلا عرضت الصك المالي على النيابة العامة، فأنت لا تعرفني جيدا، أنا أدمرك وأبعثك وراء الشمس)، هكذا قالها بكل خبث وسفالة. وتصور يا سيدي الفاضل أنه أمهلني شهرا واحدا لإحضار ذلك المبلغ المهول رغم علمه بحالي، فرحت كالديك الذبيح أتخبط هنا وهناك، رحت أبذل ماء وجهي لأجمع المبلغ فبعت بقايا المحل المهترئ، واقترضت من عائلتي وأقاربي وأصدقائي ، والحمد لله أن وفقني لجمعه في الموعد المحدد، وبهذا طويت الصفحة الأولى من أقصوصة مشاكلي. • تصور يا شيخي أني مكثت قرابة العام بعد المصاب الجلل بلا عمل إلا ما كنت لأعيل به أسرتي، فزادت ديوني عن تلك السابقة حتى أنها أصبحت تقارب الـ 10000 دولار، ثم رزقني - الذي فلق الحب والنوى والذي لظلم ذاك الرجل رأى – رزقني بعملي الحالي في أواخر سنة 2009، وبفضل الله وحمده تمكنت من سداد حوالي 2000 دولار من تلك الديون، وأنا أعمل جاهدا ولنفسي مجهدا كي أسدد كامل ديني، ولكن المشكلة يا شيخي أن بعض الذين استدنت منهم ومنهم أخي وعمي قد أرهقوني بسؤالهم الملح والدائم عن أموالهم ، بل منهم من أمسك علي كمبيالات وهددني بعرضها على النيابة العامة؛ ولهذا فإني أرهقت كثيرا ولم أعد قادرا على العيش بسلام وهدوء، خاصة وأن دخلي ضعيف – حوالي 400 دولار شهريا – وأستأجر منزلا - أقصد كوخا - بمبلغ 100 دولار شهريا ، ناهيك عن مصاريف الأولاد والبيت والنقل و......، ورغم كل التسهيلات العجيبة من الدولة الجزائرية للاقتراض الربوي ، ولكني أفضل طاعة ربي على معصيته. ولهذا يا شيخي أرجو أن تفتيني في حالتي ، ماذا أفعل حتى أسدد ديوني بالقدر الذي يحفظ كرامتي وعيشي دون غلبة الدين وقهره لي؟ هل يجوز في حالتي الأخذ من أموال الزكاة بالقدر الذي يقطع دابر ديوني ؟ هل أقترض قرضا ربويا فأسدد به ديني فيكف عني ممن أدين لهم ألسنتهم وخوضهم في شخصي ؟ وفي الأخير أشكرك شيخي على سعة صدرك بالحلم والعلم ، وأبقاك الرحمن ذخرا للأمة الإسلامية ما حييت ، وأصلح الله حالي وحالك وحال الأمة جمعاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يفرج همك، ويهيئ لك من أمرك رشدا، ويرزقك من حيث لا تحتسب؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما ما سألت عنه فنجمل جوابه في نقاط:
أولا: مسألة اتفاقك مع الرجل الأول وضمانك لرأس ماله مسألة محرمة؛ لأن المضارب لا يضمن رأس مال المضاربة دون تعد أو تفريط منه، والخسارة إنما تكون في رأس المال على ربه ويخسر العامل جهده فقط، وقد بينا الحكم عند فساد عقد المضاربة ما للعامل وما لرب المال في الفتويين رقم: 11158، 72779.
وكل ما حصل إنما هو بسبب عدم معرفة حكم الشرع، وتجاوز حدود الله جهلا، ودواء هذا الجهل الاستفسار قبل الإقدام على المعاملات والسؤال عن حكم الشرع فيها، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7}
ثانيا: الديون المتبقية عليك يجوز لك أن تأخذ من أموال الزكاة بقدرها لتسددها فقد قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:60} والغارمون هم المدينون فصاحب الدين يجوز له أن يأخذ من الزكاة ما يقضي دينه.
وينبغي أن تكثر من الاستغفار فهو من أسباب الرزق وفتح أبوابه قال تعالى حكاية عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًايُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-12}
ولا تنس أن تدعو بدعاء قضاء الدين، فقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني.
وروى الترمذي وحسنه، عن أبي وائل عن علي رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك؟ قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
ثالثا: الاقتراض بالربا من الدولة أو غيرها من أجل قضاء الديون لا يجوز ما لم تتحقق من أن عدم السداد يؤدي بك إلى السجن. والمدين المعسر لا يجب عليه الاقتراض من أجل قضاء الدين، وإنما يجب على الدائن إنظاره إذا ثبت عسره، لقوله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280} وراجع للأهمية الفتويين رقم: 6501، 21048.
فاستعن بالله عز وجل على قضاء ديونك، ولن يخيب رجاءك فيه، فأره من نفسك خيرا وصدقا، فقد وعد باليسر بعد العسر، فقال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح:5، 6} وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3} وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}
والله أعلم.