عنوان الفتوى : نبذة حول كتاب فيض القدير بشرح الجامع الصغير
أعطونا فكرة عامة حول كتاب فيض القدير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جمع العلامة الجلال السيوطي رحمه الله أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا لها على حروف الهجاء في كتابه الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير.
وقد تصدى العلامة عبد الرؤوف المناوي رحمه الله المتوفى سنة 1031 للهجرة لشرح هذا الكتاب فأجاد في شرحه وأفاد، وسمى كتابه هذا فيض القدير بشرح الجامع الصغير، وهو شرح وسط ليس بالطويل الممل ولا بالمختصر المخل، فيتكلم على ألفاظ الأحاديث ويحل مشكلها ويوضح غامضها ويكشف عن فوائدها، وما يستنبط منها من الأحكام بعبارة واضحة خالية من التعقيد، كما يذكر أحكام أئمة الشأن على الأحاديث الواقعة في الكتاب، وقد أوضح في مقدمته طريقته في الشرح فقال ما عبارته: ( وبعد ) فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم بل وكل مدرس ومعلم من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير الإمام الجلال الشهير، ينشر جواهره ويبرز ضمائره، ويفصح عن لغاته، ويفصح القناع عن إشاراته، ويميط عن وجوه خرائده اللثام، ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام، ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام، ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام، ويخدمه بفوائد تقر بها العين، وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذها من أين، وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين لا يعقلها إلا العالمون ولا يجحدها إلا الظالمون ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد، من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فما له من هاد، ومع ذلك فلم آل جهدا في الاختصار، والتجافي عن منهج الإكثار، فالمؤلفات تتفاضل بالزهر والثمر لا بالهذر، وبالملح لا بالكبر، وبجموم اللطائف لا بتكثير الصحائف، وبفخامة الأسرار لا بضخامة الأسفار، وبرقة الحواشي لا بكثرة الغواشي، ومؤلف الإنسان على فضله أو نقصه عنوان وهو بأصغريه اللفظ اللطيف والمعنى الشريف، لا بأكبريه اللفظ الكثير والمعنى الكثيف . وهنالك يعرف الفرض من النافلة، وتعرض الإبل فرب مئة لا تجد فيها راحلة . ثم إني بعون أرحم الراحمين لم أدخل بتأليفه في زمرة الناسخين ولم أسكن بتصنيفه في سوق الغث والسمين، بل أتيت بحمد الله بشوارد فرائد باشرت اقتناصها، وعجائب غرائب استخرجت من قاموس الفكر وعباب القريحة مغاصها، فمن استلحق بعض أبكاره الحسان لم ترده عن المطالبة بالبرهان . ولم أعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيا. إلى آخر كلامه رحمه الله.
وبعد، فالكتاب جم الفوائد، كثير العوائد، على أنه لا يخلو من مؤاخذات، فقد وقع فيه تأويل لأحاديث الصفات وإجراء لها على غير ظواهرها، شأن كثير من كتب شروح الحديث، وكذا وقع فيه أشياء مما قد يستنكر في باب التصوف، وهذا شأن كل جهد بشري، وبالجملة فخير الكتاب أكثر بكثير مما قد يؤخذ عليه من المآخذ، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، فرحم الله جامع الجامع الصغير وشارحه وسائر علماء الأمة ونفعنا بعلومهم.
والله أعلم.